المقالات

ليست مفاوضة بل استبداد

 

بقلم / عادل عبدالله حويس

في لحظة تبدو فيها السياسة غارقة في مفردات الابتزاز والتهديد خرجت مبادرة تنسب إلى إدارة دولية تحمل في طياتها ما يلبس على الحقيقة ويغير معالم المسار الفلسطيني. ليست القضية هنا مجرد رفض أو قبول لبند من بنود اقتراح أو آخر، بل إن ما هو مطروح اليوم يحمل في جوهره محاولة لإجهاض المشروع الوطني الفلسطيني بكامله — فصلًا بين الضفة وغزة، وتفويضا ضمنيا أو صريحا لانتدابٍ دولي على شطر من الأرض واستمرارا لهيمنة أمنية وعسكرية تتيح للكيان المحتل أن يمارس عقابه متى شاء.

لقد صار واضحا أن هذه المبادرة ليست عرضا للتسوية، بل هي صك لشرعنة الاحتلال بوجه جديد. وما يجعلها أخطر هو توقيتها وطريقة طرحها: تهديد مفتوح وإملاء على رد سريع ومحاولة لانتزاع موافقات تحت وطأة الخطر.

السياسة التي ترغم طرفا على القرار السريع بوجود مسدس مرفوع فوق رؤوسه لا تعد تفاوضا، بل استبداد سياسي وابتزاز دبلوماسي. وفي التاريخ السياسي لا تعرف مبادرة أُقدمت على هذا الشكل من الاستقواء والتهديد العلني.

إن الرد على مثل هذا المشروع لا يمكن أن يكون انقساما أو خطابا متفرقا، فهو استدعاء لوحدة وطنية حقيقية. مطلوب من الفصائل الفلسطينية ــ بقيادة منظمة التحرير بكل أطيافها ومنظمة فتح وحركة حماس وبقية القوى ــ أن تلتئم على موقف موحد وواضح يمثل إرادة الشعب ودماءه التي سالت عقودا من الزمن. ليس من مصلحة أحد أن تترك الحتمية لمساومات طرفية أو لتباينات صغيرة تفقد القضية جوهرها.

وعلى الجانب العربي، فإن التخاذل أو التأرجح في هذه اللحظة لا يقل خطورة عن المبادرة نفسها. الدعم الرمزي لا يفيد إن لم يرافقه موقف واضح يحمي الحد الأدنى من الحقوق والسيادة الوطنية. ما يطلب الآن ليس للتصعيد أو للاستعراض، بل لحماية ما تبقى من أفق سياسي يضمن لشعب منهك حقه في تقرير مصيره. أقل ما يطلب من الدول الشقيقة هو إعلان موقف صريح يدعم خيار الفلسطينيين ويحبط أي محاولة لفرض حل بظروف أحادية أو تحت التهديد.

لا ينبغي أن تنحصر معادلة الرد في صراع سلاح أو رد عاطفي فحسب، الرد السياسي المنظم والمدروس هو ما يملك القدرة على قلب الطاولة. إفشال مشروع كهذا يمر عبر تحصين البنية السياسية الفلسطينية، تجديد الشرعية الوطنية، وإعادة ترتيب العلاقة مع المجتمع الدولي من منطلق الحقوق الثابتة بدلاً من القبول بشروط تمليها قوى استيطانية تريد أن تشرعن احتلالها.

إن التاريخ لن يحفظ أولئك الذين استسهلوا التفريط تحت ذريعة “الضرورة” أو “الواقع المعاش”. كل محاولة لتسويق قرار يقطع وطنا أو يمنح احتلالًا شرعية ما هي محاولة لطمس مستقبل أمة بأكملها. والمطلوب الآن موقف فلسطيني موحد ودعم عربي صادقٌ لا يزور الحقيقة وموقف دولي يضع المبادئ الدولية وقرارات الشرعية فوق مآرب الاستفراد والابتزاز.

في نهاية المطاف، هذه ليست مجرد لعبة سياسية تدار على طاولة في عاصمة بعيدة.. هي مصير شعب وكيان تاريخي تراهن عليه الأجيال المقبلة. والقرار الأخلاقي والسياسي الآن واضح: رفض قاطع لكل بند يمس حق الفلسطينيين في الدولة والكرامة.. وإجماع وطني على خطة بديلة تحمي الحقوق وتمنع تمرير أي مشروع يجهض أسئلة الحرية والاستقلال.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى