المقالات

غزة.. جرح مفتوح على خارطة العالم



رويدا البعداني..

​منذ أمد بعيد والحرب تُشهر حسامها على أرض الزيتون، حرب لا تعرف رحمة ولا هوادة. المجاعة تقتحم الربوع دون أن تستثني صغيرًا ولا كبيرًا، ومع كل ليل عتيم تتصدر مقصلة الموت رأس كل خيمة، فتتعالى أصوات الطفولة: “إننا جوعى”، غير أن الصدى يعود خائب الرجاء، مثقلًا بالخذلان، فيما يصرخ الشيوخ بأنين مكتوم لا يجد من يسمعه، وتئن الأجساد بين أنقاض الدمار، خاوية من الغذاء، واهنة القوى، منهوكة من الجوع والمرض.

​صرخة هذا الشعب لم تعد صدىً عابرًا؛ بل رجَّت ضمير الإنسانية: “إننا على وجه الخريطة نُباد.. فهل تستفيق ضمائركم؟”
​ما يحدث في غزة يفوق حدود اللغة والوصف، يثقل النفس ويدمي القلب، غير أن المأساة تبدو عادية في عالم تكلس فيه الضمير. تحولت القضية الكبرى “فلسطين” إلى ورقة في سوق الصفقات، وبات الصمت هو اللغة السائدة، والتطبيع الوباء الفاتك، والخزي عنوان المواقف الرسمية. وعلى أرائك الخذلان سقط شرف الحكام، فبِيعَت الأرض والقضية بثمن بخس، وجرى التوقيع بدماء الأبرياء.

​في غزة اليوم، لا شيء يدعو للحياة. كل ما فيها يئن.. جوع ينهش الأجساد، ومرض يفتك بالقلوب، وفقد يسكب دموع الثكالى على عتبات الخيام، نزوح متواصل، قوافل بشرية تفترش الطرقات، وعدسات إعلامية انطفأت بعدما كانت تنقل للعالم مأساة شعب محاصر؛ فقد رحل الإعلاميون، الذين كانوا شهودًا على الحقيقة، ليلتحقوا بقوافل الشهداء، تاركين خلفهم عتمة تُضاف إلى العتمة.

​المأساة الأشد إيلامًا أن هذه الجرائم تحولت إلى مشهد يومي اعتيادي، ففي الوقت الذي ينهار فيه شعب بأكمله، ينغمس آخرون في حفلات الرقص والمرح، على أنغام نزيف غزة. هناك من يموِّل أعداء الله بالمليارات، بينما يعجز عن إطعام جائع أو تضميد جرح طفل، ومن لم يكتفِ بالصمت، طَبَّع ووالى وناصر.

​إنها ليست مجرد حرب للبقاء، بل امتحان لمعدن الرجال، وساحة يختفي فيها الزيف وتنكشف الحقائق، فهناك من باع قضيته، وهناك من صمد وارتفع معدنه نفاسةً وسموًا، وفي مقدمة هؤلاء يظل الشعب اليمني شاهدًا على أصالة الانتماء وصدق العروبة، إذ لم يتوانَ عن نصرة غزة، مؤكدًا أن الضمير الحي ما يزال يواجه طوفان الصمت والخيانة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى