مستقبل الصراع ما بعد انتصار غزة قراءة في كلمة السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي

إبراهيم محمد الهمداني
حرص سماحة السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي يحفظه الله، على مواكبة مستجدات وتطورات العدوان الإسرائيلي الأمريكي على غزة، على مدى عامين كاملين، من خلال كلماته الأسبوعية المتلفزة، التي حرص فيها، على قراءة واقع ومستقبل الأمة العربية والإسلامية، ضمن مسارين متوازيين؛
الاول: طبيعة الصراع مع العدو الإسرائيلي، وقوى الكفر المتحالفة معه، بوصفهم العدو الوجودي الأول، وأن مواجهتهم واجبة وحتمية، بصريح الأوامر الإلهية في القران الكريم، وتذكير الأمة بواجباتها والتزاماتها، الدينية والأخلاقية والإنسانية، من منطلق مسؤوليتها، وتحقيق خيريتها على باقي الأمم.
الثاني: ربط واجب الأمة بواقعها وتحليل تطورات ومستجدات العدوان الإسرائيلي على غزة، كشواهد حية واقعية ثابتة، تؤكد بما لا يدع مجالا للشك، حقيقة ذلك العدو الظالم المتوحش، وصورة نهجه الإجرامي الشامل، حتى أن حامليه بني إسرائيل لم يتورعوا عن قتل أنبياء الله تعالى، ناهيك عمن سواهم، ولم يتحرجوا عن إعلان حقيقة مشروعهم الاستكباري، الهادف إلى السيطرة على جميع بلدان المنطقة، وبسط حكمهم وهيمنتهم عليها، وتحقيق معادلة الاستباحة الكاملة، والإبادة الشاملة لكل الشعوب، وأن غزة ليست إلا البداية فقط.
وهو ما يحتم على تلك الشعوب وأنظمتها الحاكمة، الوقوف في وجه هذا المشروع الشيطاني، إن لم يكن إسنادا لغزة، فليكن دفاعا عن النفس، بوصفه سلوكا فطريا وحقا وجوديا، بدلا من الانتظار السلبي، حتى يصل الدور إليهم، أو الركون إلى معاهدات التطبيع والسلام، مع عدو طالما نقض عهزده ومواثيقه، مع الله تعالى، ولا يمكن أن يفي بعهد أو ذمة لأحد، بأي حال من الأحوال.
كان “انتصار غزة”، إحدى الحتميات الثلاث، التي بشر بها سماحة السيد القائد، قبل أربع سنوات من اليوم، في كلمته بمناسبة يوم القدس العالمي، بتاريخ 6 مايو 2021 م، في حديثه عن طبيعة ومالآت الصراع مع العدو الإسرائيلي، مؤكدا حتمية المواجهة، قبل حدوثها بحوالي عامين، واليوم بعد عامين من المواجهة البطولية العظمى، التي خاضها مجاهدو الفصائل الفلسطينية في غزة، ضد أعتى وأطغى وأقسى عدوان إجرامي، إسرائيلي أمريكي أوروبي، متوحش غاشم يطل سماحة السيد القائد يحفظه الله، في كلمته الأسبوعية بتاريخ 9/10/2025، ليزف أسمى آيات التهاني والتبريكات، إلى جميع أبناء غزة، قيادة وشعبا ومجاهدين، بهذا النصر الإلهي العظيم، الذي تحقق على أيديهم، وكان ثمرة بطولاتهم الأسطورية، وثباتهم وصمودهم العظيم، وتضحياتهم الفائقة معدومة النظير.
جاءت هذه الكلمة الأسبوعية، بعد يوم واحد، من إعلان الوسطاء الوصول الى اتفاق وقف الحرب على غزة، وتلاها مباشرة كلمة رئيس حركة حماس، رئيس الوفد المفاوض، الدكتور خليل الحية، التي زف فيها التهاني لشعب غزة، بالانتصار المستحق العظيم، المتمثل في الهدنة المشرفة، على شروط شعب وقيادة ومجاهدي غزة العظماء، بشأن الوقف الشامل للعدوان ورفع الحصار، والانسحاب الكامل من غزة، وتبادل الأسرى في صفقات، وأما ما يتعلق بمستقبل حكم غزة، فهو شأن فلسطيني داخلي وبالنسبة لسلاح المقاومة، فما عجز الكيان عن تحقيقه بالقوة، لن يحققه بالمفاوضات، وسلاح المقاومة مرهون بوجود كيان الاحتلال الغاصب، مهيبا بالوسطاء القيام بدورهم، في إلزام الكيان الصهيوني، بالمضي في تنفيذ هذه الهدنة، وهو ما اعتبره السيد القائد يحفظه الله – في كلمته السابقه – بمثابة الهزيمة الكبرى، لكيان الاحتلال الغاصب وشركائه، والسقوط المخزي لوهم القوة والتفوق المطلق، وهو ما يحتم على العرب والمسلمين، اغتنام الفرصة، واتخاذ مواقف إيجابية، إلى جانب غزة ضد عدو الأمة، وخاصة أنظمة النفاق والتطبيع، الذين سارعوا إلى تولي أمريكا وإسرائيل وبريطانيا طمعا في حمايتهم ورضاهم، واتقاء يدهم الطويلة وعصاهم الغليظة، التي قطعت وكسرت في غزة واليمن إلى الأبد.
يمكن القول إن الكيان الإسرائيلي، بات يعيش حالة سقوط كبرى، وتفاصيل هزيمة تصاعدية متقدمة، تجرعها يوم السابع من أكتوبر 2023 م، ولم يستطع تجاوزها أو الخروج من مستنقعها، على مدى عامين كاملين رغم الإسناد الكامل والدعم الشامل، والشراكة الفعلية المطلقة، من قبل أعتى وأقوى قوى الاستكبار العالمي، ولأن الكيان قد أصبح في حكم الميت سلفا، فلم يعد له دور في هذه الحرب العالمية، سوى الحضور الشكلي، والتمثيل الوظيفي لمشغليه، وإن خضوعه للهدنة بشروطها السالفة، هو خضوع وهزيمة لشركائه في المقام الأول، وفي مقدمتهم أمريكا وأخواتها.
إن نبل وشرف وعظمة الإسناد اليمني، لم يتوقف عند مستوى الإسناد المتكامل، أو عند وضع الجيش اليمني ترسانته العسكرية وموقعه الاستراتيجي، تحت أمر غزة قيادة وشعبا ومجاهدين، وإنما تجاوز – بفضل الله وتوفيقه – ذلك، إلى التبني الكامل للقضية، والإسناد الدائم المستمر، الذي لا تحجبه هدنة، ولا يحيده اتفاق، حيث أعلن السيد القائد يحفظه الله، أن اليمن سيظل في موقف المراقب، المشرف على تنفيذ الهدنة، وفي حال عدم التزام الكيان الصهيوني ونكثه للاتفاق، سيعود الإسناد اليمني مباشرة، بعمليات أقوى وأكبر، ولهذا الدور دلالته، في تحديد ملامح وصورة المرحلة القادمة، ومستقبل غزة والمنطقة العربية، وتشكيل معادلة الصراع العالمي.
في حال التزم الكيان وشركائه بالهدنة، فذلك بفعل الضربات القاضية، التي طالت تموضعهم العسكري، وكيانهم السياسي الإمبريالي، وبنيانهم الاقتصادي، وحضورهم والتسلطي المهيمن، إضافة إلى عجزهم المطلق، عن تجاوز دائرة الهزيمة الكبرى، وسقوطهم في مستنقع غزة ولم تنتشلهم لا ترسانتهم العسكرية الفتاكة، ولاجحافل جيوشهم ومرتزقهم، ولا إمبراطورياتهم المالية والإعلامية، ولا أجهزتهم الاستخبارية العالمية، ولا تفوقهم التكنولوجي المتقدم، ولا تحالفاتهم الواسعة، ولا خططهم واستراتيجياتهم المتفوقة، وعلى مدى عامين كاملين، لم يحصدوا سوى المزيد من الهزائم، والسقوط الأخلاقي والقيمي المستمر، لتتصدر غزة قلب المشهد العالمي، وهي تدوس بأقدامها، على أعتى جبابرة وفراعنة العالم، وأصبحت غزة قضية راي عام، والانتصار لها قضية الشعوب، ومنطق وضميرها الحي، وإنسانيتها الصادقة، وهو ما تحاول شعوب العالم الحر، من خلال التحركات والمظاهرات المختلفة، في أمريكا وأوروبا وغيرها، إثباته بمواقفها العظيمة الخالدة، المخالفة والمتحدية لإرادة أنظمتها الحاكمة المستبدة.
يمكن القول إن ذلك الزخم الجماهيري الكبير، والإسناد الفعلي العظيم، الذي حظيت به غزة إقليميا وعالميا، قد أكسبها – علاوة على صمود شعبها وثبات مجاهديها – حصانة كبيرة، ضد عمليات الإبادة الشاملة، ومشروع المحو المطلق، الذي استهدفها على مدى عامين كاملين، من قبل الكيان الإسرائيلي وشركاؤه الإمبرياليون، ولم يعد بمقدورهم، أو في جعبتهم، فعل ما هو أكبر تدميرا وقتلا، بالإضافة إلى حاجتهم الملحة، لترميم وجودهم السياسي والاقتصادي والعسكري والحياتي الشامل، الذي يتطلب إمكانات هائلة ووقتا طويلا، وهو ما لا تملكه الآن – على الأقل – لتستعيد عافيتها كما ينبغي، لذلك لن تكون العودة إلى الحرب في غزة، خيارها الأمثل أو قرارها الصائب، وذلك لا يعني انها ستلتزم بالهدنة، وإنما ستظل في دائرة الخروقات المتناوبة، لتقول نحن هنا، هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية، فهي ستلجأ إلى تشغيل مرتزقتها وعملائها (الجولانيون الجدد)، أمثال أبو شباب، والسلطة الفلسطينية وغيرهم، في غزة ولبنان وسوريا والعراق واليمن، وربما إيران أيضا، رغم يقينها أنهم الرهان الخاسر سلفا، إلا أنهم سيحملون عنها – مؤقتا – ما أبهضها حمله، ويمنحونها استراحة محارب بعضا من الوقت، الذي قد يحقق لها، ولو جزءا بسيطا من التعافي الاقتصادي، بما يمكنها من إعادة ترتيب أوراقها، وحشد كل إمكاناتها وقوتها ومقدراتها، لتنفيذ استراتيجيه الحرب “بالضربة القاضية”، التي تشير كل الدلائل إلى أن وجهتها ستكون اليمن، كونها أصبحت العقدة الصلبة، التي كسرت واسقطت قوة المنشار الاستعماري.
ولكن إلى أي مدى، قد تنجح تلك الضربة، وكم من الأنظمة والجماعات العميلة المطبعة، التي ستحرقها أمريكا في طريق أطماعها ومصالحها، وماذا لو سقط نظام آل سعود، أو سقطت أبراج دبي وأبو ظبي، قبل أن تسقط لبنان أو سوريا أو العراق، في جعبة السيطرة الأمريكية الإسرائيلية، وهل تستمر روسيا والصين في ممارسة دورهما النفاقي، لخدمة الكيان الإسرائيلي وشركائه، تحت قناع اتفاقيات الحماية مع دول المنطقة، بهدف تهيئتها لسيطرة القوى الإمبريالية، كما فعلت في سوريا، خاصة وأنهما (الصين وروسيا) جزء لا يتجرأ، من المنظومة الإجرامية التسلطية العالمية.