الوعي المقاوم على ضوء القرآن.. قراءة في محاضرة [سورة آل عمران ـ الدرس الأول] للشهيد القائد

في محاضرة فريدة بتاريخ 8 يناير 2002م، خطّ الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي درسًا عميقًا للدرس الأول من سورة آل عمران، موجهًا رسالة واضحة للأمة: أن الطريق إلى النجاة والصمود أمام المخاطر لا يمر عبر السياسات العابرة أو الشعارات الزائفة، بل يبدأ بالوعي القرآني الصادق.
الشهيد القائد ركّز على مجموعة من الآيات التي تحذر المسلمين من الطاعة العمياء لفريق من أهل الكتاب، وعلى رأسهم اليهود ، الذين يسعون منذ القدم لإضعاف الأمة، ليس فقط بالقوة العسكرية، بل عبر السيطرة على الوعي، والتحكم بالعقول، وتفريغ الأمة من هويتها الإيمانية.
ما يقدمه هذا التقرير ليس مجرد عرض للآيات، بل قراءة لأسلوب الشهيد القائد في بناء وعي مقاوم قادر على مواجهة الهيمنة الفكرية والسياسية، والتمسك بالقرآن والقيادة الربانية كخطة استراتيجية للنجاة.
الآيات تحذر من الطاعة العمياء
الآية التي استهل بها الشهيد القائد محاضرته {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَإِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ…} صدق الله العظيم .
القراءة السردية لهذه الآية تكشف لنا أن الطاعة لفريق معروف بالغدر والخداع ليست مجرد خطر سياسي، بل خطر وجودي على الإيمان نفسه.. الشهيد القائد يوضح أن المشروع اليهودي يسعى للسيطرة على الأمة تدريجيًا، بخطوات متدرجة، بحيث تصبح الطاعة لهم أداة لتفريغ الأمة من روحها وهويتها، دون أن يشعر المومن بذلك.. إن الطاعة هنا ليست مجرد فعل سطحي، بل نتيجة خلل في فهم الأمة لدينها وهويتها، إذ تتحول طاقاتها إلى ما يريده الأعداء، بعيدًا عن القرآن كمرشد وهادٍ.
الانفصال بين النص والوعي: مأساة الأمة
الآية: {وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ} [آل عمران: 101]
تدفعنا هذه الآية إلى التفكير في مأساة كبرى: كيف يمكن لأمة أن تعيش في رحاب القرآن والرسالة، ومع ذلك تنحرف عن الطريق المستقيم؟
الشهيد القائد يشير إلى أن هذا الانفصال بين النصوص الدينية والوعي الحقيقي يجعل الأمة فريسة سهلة أمام المخاطر.. فالقرآن وحده، بلا اعتصام بالله ووعي رباني، لا يقي الأمة من الانحدار الروحي والسياسي.
المشروع اليهودي.. الاختراق والتفريغ العقائدي
الشهيد القائد يبرز بوضوح أن اليهود لا يسعون فقط للهيمنة العسكرية، بل يعتمدون على اختراق النفوس والمجتمع، بتحويل الطاعة الطوعية إلى أداة لتفريغ الأمة من إيمانها.. ويصف هذه العملية بأنها استراتيجية “حبة حبة”، حيث تتغلغل الهيمنة تدريجيًا في السياسة، والثقافة، والاقتصاد، بحيث يصبح المجتمع تابعًا، والإيمان مجرد شعار.
الثقلان والاعتصام بالله.. منهج النجاة
في سردٍ مؤثر، يربط الشهيد القائد بين القرآن والعترة، مستشهداً بحديث الثقلين: “إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي: كتاب الله وعترتي أهل بيتي.”
الهداية هنا ليست مجرد نصوص مكتوبة، بل تتجسد عمليًا عبر القيادة الربانية.. غياب الأعلام الربانيين يترك فراغًا، فتظهر رموز ضلال تتقمص لباس الدين، تقود الأمة إلى الانحراف باسم الطاعة.
الاعتصام بالله.. استراتيجيات المقاومة
الآية: {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [آل عمران: 101]
الاعتصام بالله ليس شعارًا، بل خطة وجودية واستراتيجية.. من يعتصم بالله، يمتلك القدرة على مواجهة التبعية والانحراف، واستعادة الهداية الحقيقية، بينما من يغفل عن هذا الاعتصام يسقط في شرك الطاعة العمياء للأعداء.
الواقع المعاصر.. من الاختراق إلى التطبيع
الشهيد القائد كان متقدمًا في رؤيته للواقع: ما نشهده اليوم من علاقات بين بعض الأنظمة العربية والكيان الصهيوني تطبيق مباشر للتحذيرات القرآنية.
ـ الأمة تفقد استقلالها حين يغيب الاعتصام بالله.
ـ الطاعة لأعدائها تتحول إلى كفر عملي، وفقدان للقدرة على الدفاع عن الدين والقضايا المركزية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
ركائز للوعي المقاوم
ينطلق بناء الوعي المقاوم من مجموعة ركائز أساسية، تتجلى أولاً في القرآن الذي يظل مشروعًا حيًا لمن أراد التفاعل معه بصدق، فالكلمات الإلهية ليست مجرد نصوص، بل خارطة طريق للصمود والهداية، وثانيًا، يأتي الاعتصام بالله كخط الدفاع الأول، فهو السبيل لضبط المسار وحماية الأمة من الانحراف والانخراط في الطاعة العمياء للأعداء، وثالثًا، تبرز أهمية القيادة الربانية، التي تضمن استمرار الهداية، وتوقف أي اختراق داخلي أو خارجي يسعى لتفريغ الأمة من هويتها الإيمانية.. وأخيرًا، يُعد الوعي القرآني الفعّال الدرع الواقعي الذي يحمي الأمة من الانجراف وراء الشعارات الزائفة، ويعزز قدرتها على مواجهة التحديات الحضارية والسياسية، فبدون هذه الركائز، يفقد الصمود عمقه وتستمر الأمة في دوامة الانحراف والهوان.
الوعي المقاوم.. الطريق إلى النجاة
سرد الشهيد القائد للدرس الأول من سورة آل عمران يقدّم لنا خارطة طريق للوعي المقاوم: الاعتصام بالله والتمسك بالقرآن كمنهج عملي للحياة.. هذا البناء القرآني للوعي لا يقتصر على الفكر وحده، بل يتطلب تطبيقًا عمليًا ومواجهة حقيقية للهيمنة، حين تدرك الأمة هذا، تصبح قادرة على استعادة استقلالها والحفاظ على هويتها الإيمانية والسياسية.
إن المحاضرة ليست مجرد درس تاريخي، بل رسالة حية لكل زمان ومكان: أن الصمود يبدأ من القرآن والاعتصام بالله، ومن ثم يستمر في الفعل والمقاومة، لتظل الأمة حاملة لهدي ربها، لا أداة في يد أعدائها.
نقلا عن موقع21سبتمبر




