السيد حسن نصرالله.. أمين عام الأُمَّــة بأكمله

عبدالمؤمن محمد جحاف
إنَّ السيد حسن نصرالله أكثر من أمين عامٍ لحزبٍ أَو قائدٍ ملهمٍ للكثير من أبناء الأُمَّــة؛ فهو بالنسبة لآلاف وآلافٍ في امتداد المحور أمين على قضيةٍ تتجاوز حدود دولةٍ أَو طائفةٍ أَو حزب: أمين على القدس، أمين على حقِّ المظلومين في مقاومة المحتلّ، وأمينٌ على ذاكرة أُمَّـة تعيش لحظاتٍ من التخلّي والخِذلان.
هذه المكانة لم تُمنح له ببطاقةٍ رسميةٍ فحسب، بل نبتت عبر خطابٍ اتسم بالوضوح، ووجودٍ ميدانيّ، والتزام بمبادئ اعتُبرت عند أنصاره ميثاقًا لا يُنقض.
استهداف الرأس لا يقطع الجذور.
هكذا تعلّمنا دروس التاريخ، وهكذا تعيش الشعوب على عهد قادتها: حتى إذَا رحل الجسد، تظل الفكرة تتكاثر، والنسل ينهض من تحت الأنقاض.
اغتيال السيد حسن نصرالله ليس نهاية مشروعٍ ولا هو انتهاء لقضية؛ بل محاولة لتفكيك محورٍ صنع من الصمود منهجًا، ومن المقاومة عقيدة.
لكن زرع الشهيد لا يموت.. ومن تحت الركام تُنبِت أجيال العهد، تترسّخ مبادئها، وتستكمل المسيرة التي بدأها قادتها.
فالاغتيال -مهما كانت دوافعه ومرتكزاته الاستخباراتية والعسكرية- يظل محاولةً لتفكيك بُنى معنوية قبل أن يكون استهدافا جسديًّا. والمستهدف هنا ليس مُجَـرّد شخص، بل رمزٌ لديه القدرة على التعبئة؛ رمزٌ وصل بين حكاية المقاومة والوجدان الشعبي.
لكن التاريخ يعلّمنا: رموز كهذه تنتقل إلى رموزٍ أُخرى، وتتكاثر، وتتحوّل إلى سردٍ وطنيٍّ وجهاديٍّ، يتوارثه الشبان كما يرثون القصص البطولية عن الآباء والأجداد.
وبالتالي، في لحظات التخلّي والخِذلان التي شهدتها بعض العواصم، كان نصرالله حاملًا لخطابٍ مختلف.. خطاب مناصرةٍ لمَن تُركوا وحدهم على أرض الصراع: ناصرٌ لليمن حين خذله العرب والمسلمون، وناصرٌ لغزة حين خذلها العالم، وناصرٌ لأرضه حين خذلها جيشها.
ولم يكن مُجَـرّد خطابٍ كلاميّ؛ بل ربطٌ بين مصائر أُمَّـة، ومشروعٌ يقرأ التوازنات الإقليمية بعينٍ ترى في المقاومة معادلة وجود.
هذا ما جعل من استهدافه ضربةً تستهدف تأثيرا بعيد المدى.
لكن المقاومة ليست شخصًا واحدًا يُقهر أَو يُقتل فتتبدّد؛ هي رؤية فكرية وميدانية ممتدّة، وأجيال تحفظ العهد وتغرس الأمل.
من يستشهد من القادة يتحوّل اسمه إلى شعار، وتصبغ سيرته عمل الصفوف التي تلي.
العبء هنا على الأحزاب والنخب والمجتمعات: إمّا أن تسمح للموت أن يقتل الفكرة، أَو تحوّل الفداء إلى جسرٍ لبناءٍ متجدّد.
والتاريخ يثبت أن الخيار الثاني هو الأكثر بقاءً.
في الختام، ترى الأُمَّــة في السيد حسن نصرالله أمينًا على قضية القدس والأقصى، وعلى كرامة المظلومين؛ فسيبقى العهد حيًّا؛ لأَنَّ الأمانة لا تموت مع صاحبها، بل تنتقل إلى كُـلّ من يختار أن يتبعها ويصونها.