كتب بدمه في سجل الخالدين

بقلم/البتول المحطوري
بحرٌ لا ينفد من الكرامات والبطولات، لا عمقَ محدودٌ له، ولا طولًا معلومًا يمكن حصره، يهيج مع احتدام المعارك، ويستكين مع كل انتصارٍ يُتوَّج بالدم الأحمر القاتم.
وسماءٌ لا تملُّ من التقاط أشرف الصور وأعظمها، لتخرجها مع القطرات العذبة، فتنخرط مع تربة الأرض الخصبة، ليخرج من باطنها ألفُ بذرةٍ صالحة.
تلك هي أرواحُ الشهداء، لا تموت، بل تتجدد مع خروج الروح لترحل إلى عالم الخلود عالم لا ظلم فيه، ولا قهر ولا استعباد خارج عن سلطة أي ظالم ، لتكون لمن تبقَّى ماءً يروي جذورهم الظامئة، ونورًا يبدِّد ظلمة الخوف، لتشرق شمس الحرية من على سطوح المنازل المهدمة.
حين تعلو أصواتُ المدافع، وتختلط روائحُ البارود، وتشتعل الأرضُ حُممًا من الرصاص والصواريخ، تراه يتقدَّم الصفوف، لا يبحث عن المجد الشخصي، إنما عن حياةٍ تروق له ليعيش بسعادة أبدية.
الشهيد لا يرحل إلا وقد ترك في كل زاويةٍ من هذه الأرض أثرًا من دمه الطاهر، يصوغ العهودَ في المعارك، ويوقِّع بدمه في نهاية مسيرته، ليمرَّ الناس على أحرفه التي نسجها في هذه الأرض، فيزدادوا عزَّةً بأن أبناءهم كان لهم دورًا في اخضرار هذه الأرض واكتسائها بثوب الكرامة والعزة.
ولأن الشهداء هم من نسجوا لنا خيوط الأمان بدمائهم، كان لا بدَّ أن يُقام لهم في كل عامٍ ذكرى تُعيدهم إلى أذهاننا، حتى لا ننسى أن بلادنا لم تكن لتصبح حرةً بدون دمائهم الزكية.
إن الحرية لا تُستجدى، وإن الكرامة لا تُشترى، وإن الوطن لا يُحفظ إلا بأيدٍ امتدَّت إلى الزناد، وقلوبٍ صدقت مع ربِّ العباد، وأرواحٍ ضحَّت ليتحرر العباد.
سلامٌ على من ودَّعوا الدنيا وهم يبتسمون، وكأنهم رأَوا ما ينتظرهم من نعيمٍ قبل أن تُغمض جفونهم، وسلامٌ على كل أمٍّ أودعت فلذةَ كبدها عند الله، ولبست رداءَ الاحتساب والصبر، فارتقت بصبرها أعلى مراتب الجنان.
فالشهيد لا يحتاج إلى البكاء عليه، فهو حيٌّ، لأنه كتب بدمه في سجلِّ الخالدين ما يكفي أجيالًا قادمةً أن تذكره.


