غزة الحجة القائمة على الشعوب

بقلم/إبراهيم محمد الهمداني
أصبحت الكتابة عن غزة عبئا ثقيلا، استنزف كل ممكنات القول، وأرهق جميع بلاغات التعبير، وأفلست في الطريق إليها كل اللغات، وأمام رعب الصورة وهول المشهد، جفت محيطات العبارة، وثكلت الكلمات معانيها، وتساقطت أجنة الحروف شيخوخة موحشة، فلم يعد في غزة شيء يشبه ما يقال عنها، ولا في مدلولات النكبة والمأساة، ما يمكن أن يشير إلى حقيقة مأساتها، البالغه من العمر أكثر من من 700 يوم، وإن يوما غزاويا، كألف قرن من تجرع مرارة الخذلان والخيانة والتآمر، من قبل الأنظمة الحاكمة، التي طالما تغنت بعروبة فارغة، وتشدقت بإسلام زائف، وزعمت حماية الدين والمقدسات، وجعلت قَسَمَ الأخوة والدين والوطن شعارها الرسمي، وأيقونة خطابها السياسي والديني، وما بين ليلة الطوفان الأقصى وضحى الحرب على غزة، تحولت المواقف وسقطت الأقنعة، ومن كانت تدعى بالأمس منظمة التعاون الإسلامي، أصبحت اليوم منظمة التحالف الإجرامي، وأصبحت جامعة الدول العربية، عبرية الهوى والهوية، وفقد الأزهر شرفه، حين خضع لإملاءات الصهيونية، حين سارع إلى سحب بيان، أدان فيه العدو الإسرائيلي على استحياء.
إن سقوط الأنظمة والأحزاب والكيانات السياسية، والمؤسسات الدينية، والنخب الثقافية والاجتماعية، ضمن دائرة التواطؤ والصمت والخذلان، ثم التطبيع والتآمر على غزة والقدس والمقدسات، والتخندق في الصفوف الأمامية، دفاعا عن عدو الله وعدو الأمة، بذلك الشكل الفاضح المهين، الذي يكشف حقيقة عمق التغلغل الصهيوني، في عمق تكوين المؤسسات الدينية والسياسية، وحجم الاختراق الكبير، الذي أفرز هذا الكم الهائل، من العملاء والخونة والمنافقين، على مستوى الأشخاص ثم الكيانات ثم الأنظمة، وكأن ذلك التوجه الجمعي، نحو الخيانة والتطبيع، هو الحالة الطبيعية والحل الأمثل، بينما مواجهه العدو الإسرائيلي/ الغربي الإجرامي، عمل مدان وغير مبرر، وإسناد غزة وأهلها ومجاهديها، لا يعدو كونه عملا عبثيا طائشا.
إن هذا الانحراف الرهيب، الذي جعل الطهارة والشرف والحرية جرما عظيما، وأنكر على أهل غزة، تمردهم على نسق الرذيلة السائدة، ورفضهم لقبح العبودية والارتهان للعدو، هو ما يجب أن ترفضه وتحاربه وتنكره الشعوب، التي ما زالت تحمل الفطرة السليمة، وتسير على النهج القويم، لأن تخاذل وخيانة الأنظمة والمؤسسات الدينية، لا يعفي الشعوب العربية في المقام الأول، والإسلامية في المقام الثاني، وشعوب العالم الحر جميعها، ذلك لأن الحرب على غزة، لم تعد صراعا عربيا أو إسلاميا مجردا، قائما على الانحياز العنصري والانتماء الديني، بل هي حرب منظومة الإجرام الشيطانية، ضد منظومة القيم الإنسانية والبشرية جمعاء، وليست غزة سوى نقطة البداية، وما يجري فيها، هو نموذج لما أعده الإجرام الإسرائيلي الصهيوني الاستعماري، لكافة البلدان والشعوب، من الأغيار دون استثناء.


