ما وراء اعتراف الكيان بالكيان

بقلم/إبراهيم محمد الهمداني
إن السقوط القيمي والأخلاقي المتسارع، والانحدار الذي يعيشه المجتمع البشري اليوم، نحو البدائية والانحطاط والتخلف، قد أصبح حالة سائدة شبه جمعية، لم يخرج عنها إلا القلة القليلة، من الأحرار الذين رفضوا الانصياع، لقوى الهيمنة والاستكبار والتوحش، التي أسقطت عن وجهها، أقنعة الشعارات الحضارية، وخلعت أوهام الحداثة عن سوأتها، التي كانت تحرص على التستر بها، لشرعنة هيمنتها على العالم، تحت مسمى التفوق الحضاري، غير أن “الترامبية” الاستعمارية الراهنة، أعلنت عدم حاجتها، إلى تلك الأقنعة والأخلاقيات والمبادئ المثالية، وأنها قادرة على ممارسة فعل الهيمنة والتسلط، من موقعها الاستعماري الإجرامي، ومن طبيعة دورها التوحشي الهدام، وبصورتها الحقيقية، الأكثر قبحاً وقذارةً وانحطاطاً، في مختلف المستويات والأصعدة.
وعلى غرار الجنون والعنجهية والهمجية “الترامبية”، رسم المجرم الصهيوني نتنياهو، من موقعه في رئاسة حكومة ما يسمى الكيان الإسرائيلي، مسار مشروعه السياسي، داخلياً وخارجياً، بناء على مزاعم القوة العظمى والتفوق الشامل، التي بنت عليها استراتيجيات تغيير خارطة الشرق الأوسط، أو ما سمي مشروع الشرق الأوسط الجديد، بما يحمله من أبعاد استعمارية استكبارية إجرامية توحشية تسلطية، بهدف الانتقال بدويلة الكيان الإسرائيلي المحتل، من موقع الكيان الوظيفي الإحلالي الغاصب، إلى موضع مملكة “إسرائيل الكبرى” المزعومة، الممتدة من المحيط إلى المحيط، بوصفها إرثاً دينياً وحقاً ثابتاً، بنظرية الوعد الإلهي المزعوم، في نصوص تلمودية موضوعة، طالما احتج بها ورددها مجرم الحرب الصهيوني نتنياهو، وهو يبشر بمشروع “الشرق الأوسط الجديد”، في كل محفل ومناسبة، مؤكدا أنه والبيت الأبيض، والحلفاء في المنطقة، قد وضعوا كل الترتيبات اللازمة لتنفيذ المشروع، من خلال اتفاقيات التطبيع والبيت الإبراهيمي.
أسقطت عملية طوفان الأقصى، ذلك المشروع جملةً وتفصيلاً، وسلبت حامله كل مقومات القوة والهيمنة، واجهضت في أحشاء الكيان الغاصب، كل أحلام الحضور المتعالي، من موقع التسلط والسيطرة الكاملة، وحق التصرف المطلق، في شؤون ومصائر شعوب المنطقة كلها، التي ستنصاع للكيان الغاصب، في إطار التبعية المطلقة والاستلاب الكامل، وحينها يتم تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد، وإعلان قيام مملكة إسرائيل التوراتية الكبرى، بأقل التكاليف وأدنى الجهود، بواسطة عملاء إسرائيل – حمير الصهيونية – المطبعين، الذين سيخوضون حربها نيابة عنها، ويحققون مشروعها وأهدافها، خاصة وأن تلك الكيانات والأنظمة والجماعات الوظيفية، قد تعهدت بمحو أعداء إسرائيل من الوجود، مهما كانت الأثمان والنتائج، بينما يبقى ذلك الكيان الغاصب، في برجه العاجي التسلطي الامبريالي، ليمارس مهام التخطيط والتوجيه وإدارة الحروب، وتوزيع الأدوار بين العملاء والخونة، الذين يمتطيهم حميراً صاغرين، ليبلغ على ظهورهم أهدافه ومآربه، حسب المعتقد اليهودي التوراتي، الذي يبيح له التخلص منهم، بعد الاستغناء عن خدماتهم، بكل الطرق بما في ذلك القتل، دون أن يلحقه أدنى حرج أو لوم، لأن الانسان/اليهودي لا يلزمه أي واجب تجاه بهيمته، وهؤلاء العملاء خاصة والأغيار بشكل عام، ليسوا سوى حيوانات خلقت في هيئة بشرية، لإيناس اليهود وخدمتهم، في صورة تراعي ذوقهم ومقامهم العام، حسب معتقداتهم في التوراة، ولم تكن إضافة “حمار شمال الصومال”، من قبل نتنياهو، إلى قطيع حمير الصهيونية، في حظيرة التطبيع، إلا إضافة تافهة، ومن قبيل اعتراف الذي لا مشروعية لوجوده، بالذي هو غير معترف به أصلاً، والذي لا مشروعية لوجوده ولا شرعية لبقائه، فمن هو نكرة قد رحب بمن هو أنكر منه، وكما قال سماحة السيد القائد – يحفظه الله – في حالة مشابهة، “سقط مورم على منتفخ”.



