الأخبارالأخبار العربية والدوليةمتابعات

الأورومتوسطي: حظر إسرائيل منظمات الإغاثة في غزة تصعيد خطير يهدد حياة المدنيين

قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إن قرار “إسرائيل” بوقف عمل عشرات من كبرى منظمات الإغاثة الدولية العاملة في الأرض الفلسطينية المحتلة، وبصورة خاصة في قطاع غزة، مع دخول عام 2026 يشكل تصعيدًا خطيرًا لخنق الاستجابة الإنسانية وقطع مسارات الدعم المنقذ للحياة عبر منظومة ترخيص تتعارض مع أحكام القانون الدولي وتنتهك التزام السماح والتيسير السريع وغير المعرقل لوصول الإغاثة إلى المدنيين، بما يسرّع انهيار ما تبقى من المنظومة الصحية والإغاثية ويعمّق أبعاد جريمة الإبادة الجماعية عبر خلق ظروف معيشية متعمدة تُفضي فعليًا إلى تدمير السكان كجماعة ودفعهم نحو التهجير القسري.

وأوضح المرصد الأورومتوسطي في بيان صحافي ،اليوم الأربعاء، اطلعت عليه وكالة الأنباء اليمنية (سبأ) أنّ القرار الإسرائيلي يقضي بعدم تجديد تراخيص عمل 37 منظمة من المنظمات الإنسانية الدولية العاملة في قطاع غزة، ووقف أنشطتها اعتبارًا من مطلع عام 2026، بذريعة عدم امتثالها لشروط تسجيل جديدة جائرة وغير موضوعية فرضتها السلطات الإسرائيلية، على أن يُعلّق ترخيص هذه المنظمات اعتبارًا من 1 كانون الثاني 2026، وتُنهى عملياتها بالكامل خلال 60 يومًا.

وأضاف أن “شروط التسجيل” الجديدة التي تستند إليها “إسرائيل” لا تقتصر على متطلبات إدارية تقنية، بل تقوم على منظومة اشتراطات تُستخدم كمعيار للقبول أو الإقصاء وتشمل معايير ذات طابع عقابي تتصل بمواقف المنظمة أو أي من القائمين عليها من المقاطعة أو ما تسميه “إسرائيل” “نزع الشرعية” أو دعم مسارات المساءلة الدولية.

وتابع أن منظومة “التسجيل” الجديدة تتضمن كذلك اشتراطات تُلزم المنظمات بتقديم بيانات موسعة وحساسة عن موظفيها، ولا سيما الموظفين الفلسطينيين العاملين داخل قطاع غزة، إلى جانب معلومات تفصيلية عن مصادر التمويل والشركاء وآليات التشغيل والتحرك الميداني، بما يتجاوز مقتضيات المتابعة الإدارية المعتادة إلى جمع بيانات قد تكشف الهويات والشبكات وتعرّض الأفراد لمخاطر الاستهداف أو الملاحقة أو الابتزاز، في انتهاك فادح لواجبات حماية البيانات ومبدأ عدم تعريض العاملين الإنسانيين للخطر، وبما يقيّد استقلال العمل الإنساني ويحيل الوصول إلى الإغاثة إلى أداة ضبط وسيطرة تمكّن المنظومة الأمنية الإسرائيلية من إحكام الرقابة وعرقلة مسارات عمل المنظمات الإنسانية.

ونبّه إلى أنّ القرار الإسرائيلي يستهدف أبرز المنظمات الإنسانية الدولية التي تشكّل العمود الفقري للاستجابة الإنسانية في قطاع غزة، ولا سيّما في ظل تقويض دور “الأونروا”، ويشمل ذلك منظمة “أطباء بلا حدود” التي تقدّم خدمات طبية طارئة ومنقذة للحياة، و“المجلس النرويجي للاجئين” المعني بإيواء النازحين وتقديم المساعدات الأساسية، ومنظمة “أوكسفام” العاملة في مجالات المياه والصرف الصحي والأمن الغذائي، ومنظمة “كير الدولية” التي تنفّذ برامج إغاثة وحماية للفئات الأكثر هشاشة، و“لجنة الإنقاذ الدولية” التي تقدّم خدمات صحية وإنسانية ودعمًا نفسيًا للمتضررين من النزاعات، إلى جانب عشرات المنظمات الإنسانية الأخرى.

وقالت مديرة الدائرة القانونية في المرصد الأورومتوسطي، ليما بسطامي: “إن الإجراءات الأخيرة تشكّل حلقة محسوبة في مسار متدرّج من القيود والعقوبات الإسرائيلية الأميركية يستهدف المنظومة الدولية التي تنهض بحماية القانون الدولي وتفعيل إنفاذه؛ فهي تجرّم أدوات الإغاثة والرقابة والمساءلة وتحوّل الالتزام بالقانون ومبادئه إلى سبب للعقاب، بما يرسّخ الإفلات من العقاب ويقوّض أسس النظام الدولي ذاته، كما تسعى هذه الإجراءات في جوهرها إلى تجريد الفلسطينيين من آخر وسائل الصمود والبقاء، ولا سيّما في قطاع غزة، عبر تعطيل عمل المنظمات الإنسانية وشلّ قنوات الإغاثة ومنع الوصول المنقذ للحياة، إمعانًا في الإهلاك وتمهيدًا لفرض التهجير القسري كأمر واقع.”

ولفت المرصد إلى أنّ توقف عمل هذه المنظمات سيقود إلى شلل واسع في قطاعات إنسانية لا بديل عمليًا عنها في قطاع غزة، بما يشمل الرعاية الصحية الطارئة وخدمات المياه والصرف الصحي والإيواء الطارئ والدعم النفسي واستجابات علاج سوء التغذية لدى الأطفال وأنشطة إزالة مخاطر المتفجرات، إذ تشغّل أو تدعم المنظمات الدولية جزءًا حاسمًا من هذه الخدمات على الأرض، بما يعني عمليًا فقدان قدرة علاجية حرجة قد يفضي إلى إغلاق واحد من كل ثلاثة مرافق صحية، فضلًا عن أنّ جميع مراكز تثبيت علاج سوء التغذية الحاد الوخيم الخمسة تعتمد على دعم هذه المنظمات، وفي الوقت نفسه تبقى إمدادات أساسية عالقة خارج غزة تشمل الغذاء والمواد الطبية ومواد النظافة ومستلزمات الإيواء بسبب العوائق المفروضة على العمليات الإنسانية، ما يضاعف المخاطر على حياة المدنيين ويعمّق الانهيار القائم.

وبيّن أنّ القرار الإسرائيلي يُنفّذ وفق جدولٍ زمنيٍّ محدد، يبدأ اعتبارًا من يناير 2026 بعدم تجديد تراخيص عمل المنظمات المستهدفة، بما يسقط الإطار القانوني الذي يتيح لها العمل وتنسيق إدخال المساعدات والمواد والمعدات إلى قطاع غزة، ويمنحها مهلة قسرية حتى مارس 2026 لإنهاء أنشطتها تدريجيًا عبر إغلاق المكاتب المرتبطة بعملها في غزة ووقف البرامج الميدانية وتعطيل إرسال الموظفين الدوليين أو تدويرهم، تمهيدًا للتوقف الكامل عن العمل.

وأشار المرصد الأورومتوسطي إلى التداعيات الكارثية الفورية لهذا القرار على الأرض، بما يعنيه من خروج هذه المنظمات عن الخدمة، وانهيار شبكة الأمان الصحي والإغاثي التي كانت توفّرها، إذ في ظل التدمير الممنهج للمستشفيات الحكومية والأهلية، تولّت هذه المنظمات فعليًا تمويل وتشغيل نسبة حرجة من النقاط الطبية الميدانية، بما في ذلك توفير الطواقم الجراحية المتخصصة، والأدوية المنقذة للحياة بحدّها الأدنى على الأقل، ومثّلت أمل النجاة الوحيد لمئات الآلاف من السكان.

وشدّد المرصد الأورومتوسطي على أنّ تبعات القرار الإسرائيلي تستهدف قطع شريان الحياة الأخير لأكثر من مليوني فلسطيني في قطاع غزة؛ إذ تضطلع المنظمات المهددة بالحظر بأدوار حيوية في إدارة محطات تحلية المياه المتنقلة، وشبكات الصرف الصحي الطارئة، ومراكز علاج سوء التغذية الحاد، بما سيؤدي إلى انهيار كامل في قدرة السكان على البقاء، وتأمين أبسط مقومات الحياة.

ولفت المرصد الأورومتوسطي إلى أنّ القرار يندرج ضمن استراتيجية إسرائيلية تهدف إلى تقويض إمكان الوصول المستقل إلى الوقائع على الأرض واحتكار سردية ما يجري في قطاع غزة، إذ يُعدّ الأطباء الأجانب وموظفو الإغاثة الدوليون شهود عيان مستقلين قادرين على رصد وتوثيق أنماط الانتهاكات المرتكبة، بما في ذلك طبيعة الإصابات المتكررة، وأثر الأسلحة المستخدمة، ومؤشرات المجاعة ونقص الإمدادات الأساسية، ونقل هذه المعطيات إلى الجهات الدولية المختصة، على نحو كان يحدّ ولو جزئيًا من العزلة التي تفرضها إسرائيل على القطاع منذ أكتوبر 2023.

وحذّر من أنّ إخلاء قطاع غزة من الوجود الدولي المحدود أصلًا تحت غطاء بيروقراطي يهدف إلى إحكام عزل السكان وتجريدهم من أي حضور خارجي يمكنه تقديم دعم إنساني أو مراقبة مستقلة، بما يسهّل استمرار تنفيذ جريمة الإبادة الجماعية بأشكالها المختلفة دون شهود ذوي مصداقية أو قنوات تحقق مستقلة، ويقوّض إمكان الوصول إلى رواية مهنية موثوقة تُفنّد الرواية الإسرائيلية وتوثّق ما يجري على الأرض من انتهاكات جسيمة وغير مسبوقة لأحكام القانون الدولي.

وأكد المرصد الأورومتوسطي أن القرار الإسرائيلي يتعارض بصورة مباشرة مع التدابير المؤقتة الملزمة التي أصدرتها محكمة العدل الدولية في 28 مارس 2024، والتي ألزمت “إسرائيل” باتخاذ إجراءات فورية وفعالة لتمكين توفير الخدمات الأساسية وتيسير وصول المساعدة الإنسانية العاجلة دون تأخير وبالقدر الكافي لتلبية احتياجات السكان المدنيين.

ودعا المرصد الأورومتوسطي المجتمع الدولي إلى الانتقال من بيانات القلق إلى تدابير تنفيذية ملموسة تضع حدًا للانتهاكات الجسيمة الجارية في قطاع غزة، عبر تحرك دولي ملزم يؤكد عدم مشروعية القرار الإسرائيلي المتعلق بعدم تجديد تراخيص المنظمات الإنسانية الدولية ووقف أنشطتها، ويقرر بطلانه وانعدام آثاره القانونية لمخالفته أحكام القانون الدولي الإنساني والتدابير المؤقتة الملزمة الصادرة عن محكمة العدل الدولية، ولتعدّيه على ولاية الأمم المتحدة وشركائها في تنظيم وتنسيق الاستجابة الإنسانية، ويُلزم “إسرائيل” بإلغائه فورًا وبضمان وصول المساعدات والخدمات الأساسية على نحو سريع وكاف ومنتظم، ورفع القيود التي تعرقل عمل المنظمات الإنسانية واستقلالها.

وطالب بفرض تدابير سياسية واقتصادية موجهة وفعّالة على الجهات المسؤولة عن تصميم وتنفيذ القرار، بما في ذلك تجميد أصول وحظر سفر على مسؤولين محددين، وتعليق صفقات أو تعاون ذي صلة مباشرة باستمرار القيود على العمل الإنساني، وضمان ألا تُستخدم العلاقات التجارية أو المالية أو خدمات النقل والتأمين والتمويل في دعم أو تسهيل تعطيل الإغاثة، بما يشمل إجراءات ثنائية ومتعددة الأطراف لوقف كل ما يمكّن عرقلة الإغاثة، وربط أي تعاون مع “إسرائيل” بالتزامها الفعلي بتيسير دخول المساعدات والطواقم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى