المقالات

حضرموت.. مسرحية بالدم تُدار من خلف الستار

بقلم د نبيل عبدالله القدمي

لم تعد الأحداث الدامية في حضرموت مجرد اشتباكات بين فصائل محلية تتناحر على النفوذ، بل ظهرت الحقيقة أنها مسرحية مكتملة الأركان يُسفك فيها الدم اليمني رخيصًا، بينما يقف السعودي والإماراتي على خشبة المسرح كالمخرجين، يوجهان المشهد خطوة بخطوة من غير أن يخسرا شيئًا، وكأن أرواح اليمنيين مجرد أدوات في سيناريو خارجي أُعدّ بعناية. جميع القوى المتصارعة في الجنوب مدينة للسعودية والإمارات بالطاعة، وكان من السهل جدًا عليهما سحب قوة لصالح قوة وإيقاف أي اشتباك في لحظاته الأولى، لكنّ الدماء التي سالت لم تكن نتيجة خطأ أو سوء تقدير، بل كانت جزءًا من المشهد المطلوب: صدام داخلي، فوضى، انهيار ثقة، ثم خطوة سياسية يجري تمريرها في اللحظة المناسبة.

لم يعد سرًا أن المشروع الأكبر هو تقسيم اليمن، وأن السعودية والإمارات مجرد منفذين مطيعين لا يملكون من أمرهم شيئًا أمام الإملاءات الأمريكية الإسرائيلية، وإذا كان المرتزقة في اليمن تابعين للرياض وأبوظبي، فإن هؤلاء بدورهم ليسوا سوى أذناب الأذناب أمام مشروع التقسيم الذي تتولى واشنطن وتل أبيب هندسته. وما يجري في حضرموت هو الحلقة الأولى من مسلسل طويل هدفه إنتاج دولة جنوبية مستقلة، يتم الاعتراف بها مسبقًا، وتكون إسرائيل أول المرحّبين بها، يتبعها نظاما الرياض وأبوظبي في مشهد يُراد له أن يبدو “انتصارًا سياسيًا”، بينما هو في الحقيقة خيانة لوحدة اليمن وتضحيات شعبه.

وهنا يبرز السؤال الكبير: هل ستقف صنعاء متفرجة؟ صنعاء التي قدّمت الدماء دفاعًا عن فلسطين، وجاد رجالها بأرواحهم نصرة للقدس وغزة، لن تبخل بذلك على اليمن، ولن تقبل أن يُسلخ جزء من البلاد تحت عباءة مشروع أمريكي صريح. صنعاء التي صمدت عشر سنوات تحت القصف والحصار والحرب المفتوحة لا يمكن أن تهتز أمام مسرحية تُدار عبر وكلاء، ومن يظن أن المعركة ستبقى داخل حدود اليمن فهو لم يقرأ التاريخ جيدًا.

القوى التي تدفع إلى تفجير الجنوب تريد جر اليمنيين
إلى صراع داخلي ينهك الجميع ويسمح للمحتل بفرض
“حلول دولة جاهزة” على الأرض، لكن كلفة اللعب بالنار
هذه المرة ستكون مختلفة تمامًا. صنعاء اليوم ليست صنعاء الأمس؛ فهي تمتلك قوة ردع وتجربة حرب ورؤية سياسية واضحة وظهرًا شعبيًا صلبًا لم يعد يقبل العبث بدمه أو أرضه. وإذا كان المخطط يستهدف تمزيق اليمن، فإن الرد لن يبقى داخل اليمن؛ فاليد التي تحرك الفوضى من الرياض أو أبوظبي ستصلها نيران الرد، والعواصم الخليجية التي تتعامل مع اليمن كحديقة خلفية عليها أن تدرك أن أي محاولة لفرض واقع جديد في الجنوب ستُفتح معها أبواب معركة في عمق الخليج نفسه.

الحرب التي يُراد إشعالها اليوم ليست خلافًا محليًا ولا صراع نفوذ، بل مشروع تدميري يُساق إليه الجنوب تحت وعود واهية، لكن اليمن كل اليمن لن يكون لقمة سائغة لهذه المشاريع، فقد جُرّب اليمنيون في أسوأ الظروف وخرجوا أقوى مما كان يتوقعه العالم بأسره. وستبقى حضرموت جزءًا من معادلة الصمود مهما حاولت قوى الخارج أن تجعلها بداية مشروع تفتيت لن يمرّ، لأن وراء اليمن شعبًا لا يُهزم، وصنعاء لا تتراجع، والقادم سيكون أبعد مما يتخيله من يلعبون اليوم بخيوط المسرحية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى