تقارير وحوارات

إعلام ثورة 21 سبتمبر .. صوت الشعب في مواجهة الفساد والعدوان

منذ انطلاقتها المباركة، لم تكن ثورة 21 سبتمبر مجرد تحرك شعبي في وجه أنظمة الفساد والوصاية، بل كانت مشروعًا وطنيًا شاملًا لإعادة بناء دولة مستقلة ذات سيادة
وفي قلب هذا المشروع، برز إعلام الثورة كأداة مركزية في كشف الحقائق، وفضح الأنظمة السابقة، ومواجهة الحملات التضليلية الممنهجة التي شنّها العدوان وأدواته في الداخل.

 

لقد تحوّل إعلام الثورة من مجرد وسيلة نقل للحدث إلى شريك فاعل في صناعة الوعي الوطني، والدفاع عن القضية العادلة للشعب اليمني، متجاوزًا دور الإعلام التقليدي إلى دور تعبوي وتوثيقي ومقاوم، يستند إلى قيم الحق، ويستمد قوته من نبض الناس ومعاناتهم وتطلعاتهم.

 

كسر التعتيم وكشف فساد الأنظمة السابقة

قبل ثورة 21 سبتمبر، كانت المنظومة الإعلامية اليمنية خاضعة بشكل كبير لتوجيهات سياسية وأمنية، تخدم مصالح نافذين وتغطي على جرائمهم، من إعلام رسمي يُستخدم كمنصة للترويج للسلطة وليس للتعبير عن الشعب، وإعلام خاص ممول خارجيًا يخدم أجندات حزبية ضيقة أو مصالح إقليمية، وغياب الشفافية والرقابة، وسط منظومة فساد معقدة تحكمها الصفقات والمحسوبيات.

ومع بروز الإعلام الثوري، تغير المشهد جذريًا من خلال فضح ملفات الفساد الكبرى، حيث كشفت وسائل الإعلام الثورية تفاصيل كثيرة عن نهب الثروات النفطية والسيادية من قبل أطراف مرتبطة بالخارج، وتم عرض وثائق وشهادات تثبت تورط مسؤولين سابقين في عمليات فساد إداري ومالي شلّت مؤسسات الدولة، وكذلك تم تسليط الضوء على الاتفاقيات المشبوهة التي أُبرمت بإشراف سفراء أجانب وحرمت الشعب من موارده، وكسر الإعلام الثوري الهالة الإعلامية حول رموز الفساد، حيث لم يعد الفاسدون محصنين إعلاميًا كما في السابق، بل أصبحوا موضع محاسبة شعبية مفتوحة.

وأُسقطت الرمزية الزائفة التي نسجتها الأنظمة السابقة حول بعض الشخصيات، وتم تقديمهم على حقيقتهم كأدوات للخارج وسماسرة للنفط والقرارات.

 

مواجهة الحرب الإعلامية على الثورة

منذ اللحظة الأولى لثورة 21 سبتمبر، بدأ إعلام العدوان المحلي والخارجي حملة منظمة لتشويهها، واتهامها بشتى الأوصاف (انقلاب، تمرد، حرب أهلية…)، في محاولة لعزلها محليًا ودوليًا، لكن الإعلام الثوري تصدى لهذه الحرب الإعلامية من خلال  كشف زيف الرواية التي سوقها العدوان الأمريكي والسعودي وأدواته على نطاق واسع، وعرضت وثائق وتقارير توضح الدور الأمريكي في التحكم بالقرار اليمني قبل الثورة، وكشف طبيعة العدوان العسكري ومجازره، وهو ما أسهم في فضح الجريمة أمام الرأي العام العالمي.

كما واكب الإعلام الثوري تطورات الأحداث بمهنية ومصداقية، من خلال نقل صور العدوان والحصار من داخل القرى والمناطق المستهدفة، مخالفًا للرواية التي سوقها التحالف، وإنتاج إعلام مقاوم ومؤثر، حيث نشأ جيل جديد من الإعلاميين والمراسلين والمصورين الثوريين الذين ربطوا الإعلام بالدم والدفاع عن الوطن، وظهرت إنتاجات وثائقية ومرئية تحاكي الوجدان الشعبي، وتُفشل حرب الأكاذيب التي يشنها العدو.

 

الإعلام كرافعة توعوية وثقافية للثورة

لم يكتفِ الإعلام الثوري بالجانب الخبري والسياسي، بل ساهم في ترسيخ الهوية الوطنية والإيمانية، من خلال برامج وثائقية وسلسلات إيمانية تربوية وثقافية واجتماعية، أعاد الإعلام تعريف الهوية اليمنية كهوية قرآنية، مقاومة، مستقلة، وواجه الاختراق الثقافي والفكري الذي كانت تمارسه أدوات الخارج عبر القنوات والإنتاجات المدعومة من دول العدوان.

كما عزز إعلام الثورة الوحدة الوطنية، من خلال تقديم خطاب جامع يُعلي من شأن الانتماء اليمني الواحد، بعيدًا عن المناطقية أو الطائفية، وأبراز تضحيات مختلف المحافظات والمكونات في الدفاع عن الوطن، ما عزز الاصطفاف الشعبي خلف الثورة.

كما ساهم في رفع المعنويات الشعبية في أشد مراحل العدوان، ووثّق قصص الشهداء والجرحى والأسرى، ورفع صوت أسرهم، وجعلهم جزءًا من الذاكرة الوطنية.

 

أدوات الإعلام الثوري .. إمكانيات محدودة وصدى واسع

رغم العدوان والحصار الخانق، وقصف المقرات، ومحدودية الإمكانيات التقنية والمالية، شق الإعلام الثوري طريقه بإصرار لا يُقهر، ليُصبح إحدى أبرز جبهات المواجهة في معركة الكرامة والسيادة.
لم يكن يمتلك شبكات إعلامية عملاقة، لكنه كان مسلّحًا بالقضية والحق وصدق الانتماء، وهذا ما جعل تأثيره يتجاوز كل التوقعات.

في مقدمة هذه الأدوات، تصدّرت قناة “المسيرة” الفضائية المشهد باعتبارها المنبر الرئيسي للثورة، حيث واكبت الأحداث ميدانيًا، ونقلت الحقائق دون تزييف، وفضحت جرائم العدوان بالصوت والصورة، إلى جانبها، نمت وتوسعت قنوات وإذاعات الوطن المحلية التي أعيد تأهيلها وتفعيل دورها الثوري، وغطّت مختلف الجبهات والمناطق، وأسهمت في تعزيز الوعي، وتوثيق التضحيات، وتحفيز الصمود الشعبي.

كما برزت الصحف والمجلات الثورية بدور مؤثر في المشهد، حيث نقلت يوميات الثورة، وكشفت ملفات فساد النظام السابق، وقدّمت تحليلات سياسية وإعلامية أثرت الوعي الجمعي، وجعلت من الصحافة اليمنية الثورية ميدانًا للرقابة الشعبية والمحاسبة الإعلامية.

أما في الفضاء الرقمي، فقد تمكّن الإعلاميون والناشطون اليمنيون من كسر جدران الحصار الإلكتروني والدبلوماسي، عبر منصات التواصل الاجتماعي، واستطاعوا إيصال مظلومية اليمن إلى العالم، بل وفرضوا أجندة خطابهم على الساحة الإقليمية والدولية، من خلال حملات إلكترونية نوعية، ووسائط مرئية وثائقية تفاعلت معها شعوب متعددة.

الإنتاج الوثائقي بدوره أخذ مكانه الطبيعي، مؤرّخًا بدم المجاهدين ودموع الأمهات، قصص البطولة والتضحية، سواء في الجبهات أو تحت الأنقاض، هذه الأدوات جميعها أثبتت أن الإعلام الثوري، وإن كان محدود الموارد، فهو واسع التأثير، لأنه نابع من وجدان الناس، ويخاطبهم بلغتهم وقضاياهم وهمومهم الحقيقية.

 

استهداف الإعلام اليمني من قبل العدو الصهيوني ..جريمة تعرّي المشروع الصهيوأمريكي

أدرك تحالف العدوان مبكرًا خطورة الإعلام الثوري، فسعى إلى قصف مقرات القنوات والإذاعات والمكاتب الإعلامية، وحجب المواقع الإلكترونية وملاحقة الحسابات المؤثرة، وشن حملات تضليل واسعة لتشويه مصداقية الإعلام الثوري.

ولم يكن تصعيد العدوان الصهيوأمريكي في استهداف الإعلام اليمني مؤخرًا مجرد تصرف عابر، بل خطوة ممنهجة تؤكد أن الإعلام الثوري المقاوم أصبح هدفًا مباشرًا لتحالف العدوان، وعلى رأسه الكيان الصهيوني.

في جريمة بشعة هزّت الوسط الصحفي والوطني، أقدم العدو الصهيوني على قصف مقري صحيفتي “26 سبتمبر” و”اليمن” في قلب العاصمة صنعاء، ما أدى إلى استشهاد عدد من كوادر الإعلام وسقوط عدد آخر من الجرحى، وتدمير مرافق صحفية حيوية كانت تمثل واجهة للخطاب الوطني المهني.

هذا الاستهداف المباشر للإعلام الوطني الثوري، لا يمكن فصله عن الدور الريادي الذي لعبته الصحافة اليمنية في كشف الحقيقة، وفضح جرائم العدوان، ومساندة القضية الفلسطينية في وجه العدو الصهيوني والأمريكي معًا.

الإعلاميون اليمنيون لم يلتزموا الحياد أمام الجرائم الصهيونية في غزة والقدس، بل كانوا في مقدمة من واجه هذا الكيان بالموقف والرسالة والتحليل، وارتبط خطابهم الإعلامي بخطاب محور المقاومة في فلسطين ولبنان والعراق، ما جعلهم هدفًا مباشرًا لهذا العدو الغادر.

إن استهداف الصحافة في اليمن على يد الكيان الصهيوني هو إعلان حرب على الحقيقة، وعلى كل صوت حرّ يُعبّر عن كرامة الشعوب وحقها في تقرير مصيرها. لكنه في الوقت ذاته، جاء بنتائج عكسية تمامًا، حيث شكّل هذا العدوان حافزًا إضافيًا للإعلاميين الشرفاء لمواصلة معركتهم ضد الكذب والتزييف والإرهاب الإعلامي الذي تمارسه ماكينات العدو.

أصبح واضحًا أن الإعلام المقاوم لم يعد فقط ناقلًا للحدث، بل بات جزءًا من معادلة الردع والتوازن السياسي والروحي في المعركة الكبرى ضد المشروع الصهيوأمريكي.

وهكذا، فإن دماء الشهداء من الإعلاميين، وفي مقدمتهم شهداء صحيفة “26 سبتمبر” و”اليمن”، لم ولن تذهب هدرًا، بل ستبقى وقودًا يشعل الكلمة الحرة، ويُلهب الصوت المقاوم، حتى يتحقق النصر، ويسقط الاستكبار العالمي ومعه كل أدواته وأذرعه وأقنعته.

 

خاتمة 

لقد كان إعلام ثورة 21 سبتمبر أكثر من مجرد وسيلة اتصال، كان حارسًا للوعي، وشاهدًا على الجرائم، وسلاحًا من سلاح المعركة.
وبينما تهاوت إمبراطوريات إعلامية كبرى أمام سطوة المال والتضليل، ظل الإعلام الثوري اليمني ثابتًا على المبادئ، قريبًا من الناس، صادقًا في انحيازه للقضية اليمنية، ولثورة أرادت أن تكتب تاريخًا جديدًا بدماء الشهداء وصوت الأحرار.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى