التصنيع العسكري اليمني: معجزة ثورة 21 سبتمبر

شكل التصنيع العسكري في اليمن بعد ثورة 21 سبتمبر 2014م منعطفاً تاريخياً ونقطة تحول استراتيجية، ليس فقط في مسار المواجهة مع تحالف العدوان، بل في تاريخ اليمن الحديث بأكمله.
ففي ظل حصار شامل وعدوان استهدف تدمير كل مقومات الدولة، انطلقت إرادة يمنية صلبة من رحم المعاناة لتأسيس قاعدة صناعية عسكرية متطورة، وهو ما وصفه الكثيرون بـ “المعجزة”.
يستعرض هذا التقرير كيف تحولت اليمن من بلد يعتمد على استيراد السلاح إلى بلد منتج ومصدر لتقنيات عسكرية متطورة.
السياق التاريخي والظروف الموضوعية
قبل ثورة 21 سبتمبر، كانت المؤسسة العسكرية اليمنية تعاني من حالة تبعية شبه كاملة للخارج، خاصة للمملكة العربية السعودية.
والولايات المتحدة، كانت القرارات السيادية المتعلقة بالتسليح والتطوير مرهونة بالإرادة الخارجية، مما أدى إلى إضعاف الجيش وتفكيك منظوماته الدفاعية بشكل ممنهج.
جاءت الثورة لتضع حداً لهذا الارتهان، لكنها ووجهت بعدوان وحصار شاملين هدفا إلى تدمير ما تبقى من قدرات الجيش اليمني، في 21 أبريل 2015، أعلن التحالف السعودي الإماراتي الأمريكي تدمير 90% من الصواريخ الباليستية اليمنية، معتبراً أن قدرات اليمن الصاروخية قد انتهت، هذا الإعلان كان بمثابة نقطة البداية الحقيقية لرحلة التصنيع العسكري اليمني.
من إعادة التأهيل إلى التصنيع الكامل
بدأت الجهود بخطوات متواضعة، حيث عمل المهندسون والخبراء اليمنيون على إعادة تأهيل وتطوير ما نجا من الصواريخ والأسلحة القديمة التي كانت خارج الخدمة (معظمها سوفيتية الصنع)، لكن سرعان ما تحول هذا الجهد إلى مرحلة التصنيع الكامل، معتمدين على مبدأ “تحويل التحدي إلى فرصة”، ففي قلب الجبال، وفي مغاور محصنة، تم إنشاء مدن.
صناعية عسكرية سرية، ضمت آلاف المهندسين والخبراء اليمنيين الذين عملوا على تطوير وتصنيع منظومات أسلحة متكاملة.
أبرز إنجازات التصنيع العسكري
شهدت الصناعات العسكرية اليمنية قفزات نوعية في مجالات متعددة، أبرزها:
الصواريخ الباليستية والمجنحة: تم تطوير وتصنيع عائلة متكاملة من الصواريخ (مثل: قدس، بركان، ذو الفقار، سعير)،أهداف استراتيجية في عمق دول العدوان، محققة بذلك “توازن الردع”.
الطائرات المسيّرة (الدرونز): برزت اليمن كقوة إقليمية في مجال الطائرات المسيرة، بدأت بنماذج استطلاعية بسيطة (هدهد، راصد) وتطورت لتشمل طائرات هجومية بعيدة المدى (صماد، وعيد) قادرة على تنفيذ عمليات دقيقة في عمق أراضي العدو، مما أربك حساباته الدفاعية.
الدفاعات الجوية: تم تطوير منظومات دفاع جوي (فاطر،ثاقب) نجحت في تحييد الطيران الحربي للتحالف بشكل كبير، وأسقطت طائرات حديثة ومتطورة، مما غير طبيعة المعركة الجوية.
القوات البحرية: تم تصنيع زوارق حربية وألغام بحرية (عاصف، طوفان، كرار) شكلت تهديداً حقيقياً للبوارج والسفن الحربية المعادية في البحر الأحمر، وأثبتت قدرة اليمن على حماية سواحله ومياهه الإقليمية.
دلالات ومعاني “المعجزة”
إن وصف التصنيع العسكري اليمني بالمعجزة لا يأتي من فراغ، بل يستند إلى حقائق موضوعية:
الإنجاز تحت الحصار: تم كل هذا التقدم في ظل حصار خانق يمنع دخول أبسط المواد الأساسية، مما يثبت أن الإرادة والعقول اليمنية قادرة على تحقيق المستحيل.
الاعتماد على الكفاءات الوطنية: شكل هذا الإنجاز ثورة علمية اعتمدت بشكل كامل على الخبرات والكفاءات اليمنية، مما يمثل استثماراً حقيقياً في رأس المال البشري.
تغيير معادلة الصراع: لم يكن التصنيع العسكري مجرد إنجاز تقني، بل كان العامل الحاسم في تغيير موازين القوى، وفرض معادلات ردع جديدة، وإجبار العدو على إعادة حساباته.
خاتمة:
يُعد التصنيع العسكري أحد أبرز وأهم منجزات ثورة 21 سبتمبر المجيدة، إنه يمثل قصة صمود وإبداع شعب قرر أن يمتلك قراره وقدراته، وأن يدافع عن سيادته وكرامته، هذه التجربة الفريدة تقدم نموذجاً ملهماً للشعوب التي تسعى للتحرر من الهيمنة والتبعية، وتؤكد أن الإرادة الوطنية، عندما تقترن بالإيمان والعلم، قادرة على صنع المعجزات.