القضية الفلسطينية في قلب ثورة الواحد والعشرين من سبتمبر

تُعد القضية الفلسطينية في وجدان الشعب اليمني قضية مركزية لا تنفصل عن قضايا الأمة الكبرى، وقد كان لهذا الموقف الثابت تجليات واضحة في كل مراحل الثورة اليمنية المباركة في 21 سبتمبر 2014. فالثورة التي انطلقت من رحم معاناة شعب يمني تواق للحرية والسيادة والاستقلال، حملت في جوهرها قيماً ومبادئ سامية، منها الوقوف مع قضايا الأمة وفي طليعتها قضية فلسطين، وتحديداً غزة التي كانت ولا تزال رمزاً للصمود والمقاومة في وجه الاحتلال الصهيوني.
الحضور المبدئي للقضية الفلسطينية في خطاب الثورة
منذ انطلاقتها، أعلنت ثورة 21 سبتمبر المجيدة وقوفها الصريح والثابت إلى جانب الشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة، ورفضها لكل أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني، وقد برزت القضية الفلسطينية في الخطاب السياسي والرسمي لقيادة الثورة، حيث أكد السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي مراراً أن منطلقات الثورة اليمنية ليست محلية فقط، بل أممية تشمل دعم المستضعفين في العالم، وفي مقدمتهم الشعب الفلسطيني، والتأكيد على قدسية القضية الفلسطينية، واعتبارها معياراً للمواقف الوطنية والأخلاقية للأمم والشعوب، وكذلك رفض صفقة القرن والتطبيع، ومهاجمة الأنظمة العربية المطبّعة التي خانت القضية.
المواقف السياسية والدبلوماسية الرسمية
اتخذت قيادة ثورة 21 سبتمبر مواقف سياسية واضحة تجاه فلسطين وغزة، أبرزها ،إدانة الجرائم الصهيونية بحق الشعب الفلسطيني في كل المحافل الممكنة، وإعلان الموقف السياسي المناصر لفصائل المقاومة، خاصة حركة حماس والجهاد الإسلامي، وإرسال رسائل تضامن سياسية وإعلامية في كل عدوان صهيوني على غزة.
الدعم الشعبي والجماهيري للقضية الفلسطينية وغزة في ظل الثورة اليمنية
رغم ما يمر به اليمن من عدوان وحصار منذ سنوات، لم تتأثر المواقف الشعبية والجماهيرية تجاه القضية الفلسطينية، بل تعمّقت واتخذت أبعادًا جديدة، تعكس مدى تجذر فلسطين في الوعي اليمني الثوري بعد 21 سبتمبر، حتى أصبحت غزة وفلسطين حاضرة في كل بيت وميدان وساحة.
لقد أصبح هذا الدعم الشعبي والجماهيري أحد أبرز أوجه الالتزام الثوري بقضايا الأمة، وتجسيدًا عمليًا لفكرة أن فلسطين ليست قضية الفلسطينيين وحدهم، بل قضية أمة كاملة تُدافع عنها.
اليمن، بقيادة الثورة، أصبح من أكثر الدول تنظيمًا لمسيرات جماهيرية ضخمة مؤيدة لفلسطين،
حملات التبرع المالي رغم الفقر والحصار، الشعب اليمني، المحاصر والمجروح، قدّم من قوته نصرة لفلسطين خلال معارك غزة، نظّمت حملات تبرع شعبية واسعة لجمع الدعم المالي والإغاثي، في 2021، جمعت حملة “اليمن مع فلسطين” ملايين الريالات خلال أيام، وشاركت فيها حتى الأسر الفقيرة، وجمعيات خيرية وقنوات رسمية في صنعاء أشرفت على الحملة ونسّقتها مع الجهات الفلسطينية، وكانت الرسالة واضحة ، أن اليمني يُفضل أن يجوع ولا يرى غزة تنكسر.
التفاعل الشعبي في الفعاليات الثقافية في المساجد والمدارس والمراكز الصيفية دائمًا ما تتضمن أنشطة داعمة لفلسطين من أناشيد، شعر، مسرحيات طلابية، رسومات، معارض صور، ومسابقات مدرسية حول القدس وفلسطين، ومحاضرات تعبّوية تبين حقيقة الصراع مع الصهاينة، وخطر التطبيع.
وفي المدارس والمراكز الصيفية، يتم تعليم الطلبة النشيد الوطني الفلسطيني، وتاريخ المقاومة، وغالبًا ما يكتب الأطفال رسائل تضامن إلى أطفال غزة.
المشاركة الشعبية في الإعلام الرقمي، على وسائل التواصل الاجتماعي، شارك اليمنيون بكثافة في الحملات الإلكترونية العالمية لنصرة غزة، هاشتاغات #طوفان_الأقصى، #غزة_تقاوم، #القدس_عاصمتنا، وغيرها، ونشر صور الشهداء الفلسطينيين ومقاطع الانتصارات، وفضح جرائم الاحتلال وجرائم المطبعين.
كما شهدت منصات يمنية إطلاق محتوى خاص من تصميم النشطاء اليمنيين من فيديوهات قصيرة تعبّر عن تلاحم اليمن وغزة، وتصميمات جرافيكية تُظهر القدس إلى جانب صنعاء، وتربط بين القضيتين.
التبرع بالدم والوقفات الرمزية نظم طلاب وناشطون حملات تبرع بالدم رمزية، تؤكد أن اليمن حاضر في الميدان
وحدة الموقف الشعبي مع الخطاب القيادي، حيث تميّز الموقف الشعبي بعدم الانفصال عن القيادة الثورية كلما صدر خطاب من السيد القائد يحفظه الله حول فلسطين، كان له صدى واسع شعبيًا.
لقد رسّخ الشعب اليمني، في ظل ثورته، نموذجًا فريدًا في الدعم الشعبي الواعي والملتزم لفلسطين وغزة.
رغم الجراح المفتوحة، لم يتراجع عن مواقفه، بل ازداد صلابة، مُثبتًا للعالم أن فلسطين ليست مجرد قضية سياسية، بل عقيدة حية في ضمير الأمة.
في كل مسيرة، وفي كل تبرع، وفي كل نشيد، يتأكد أن فلسطين في اليمن ليست غريبة، بل قريبة، بل يسكنها قلب اليمنيين كما يسكنون هم أرضهم.
الخطاب الإعلامي المقاوم ودوره في نصرة فلسطين وغزة
منذ انطلاق ثورة 21 سبتمبر، شكّل الإعلام الثوري المقاوم في اليمن رافعة مهمة في معركة الوعي تجاه قضايا الأمة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، لم يقتصر دور هذا الإعلام على التغطية الإخبارية، بل اتخذ من فلسطين عنوانًا ثابتًا ومحورًا مركزيًا في المواجهة الإعلامية مع المشروع الصهيوأمريكي في المنطقة.
التغطية المكثفة والمباشرة للعدوان على غزة، في الإعلام اليمني المقاوم، خصوصًا في قنوات مثل المسيرة والإعلام الحربي والمواقع الثورية، يتعامل مع كل عدوان صهيوني على غزة وكأنه عدوان على اليمن، من خلال بث مباشر من داخل غزة خلال الحروب (مثل معركة سيف القدس، وحدة الساحات، طوفان الأقصى)، واستضافة محللين فلسطينيين ومراسلين من المقاومة، والتغطية لا تكتفي بنقل الخبر، بل تركز على مقاومة الشعب الفلسطيني والانتصارات الميدانية.
وركز الإعلام الثوري على إظهار الصراع مع العدو الصهيوني كجزء من معركة شاملة تخوضها المقاومة، وليس مجرد اشتباك محلي في فلسطين.
إبراز وحدة المصير بين اليمن وفلسطين، حيث سلطت وسائل الإعلام الثورية الضوء على الروابط العقائدية والسياسية بين معركة اليمن ضد العدوان على اليمن ، ومعركة فلسطين ضد العدو الصهيوني.
وفي سياق آخر تم إنتاج محتوى فني تعبوي لصالح فلسطين، من تقارير خاصة، وثائقيات، برامج حوارية تُنتج باستمرار لدعم القضية، وتغطية مسيرات يوم القدس، وتوثيق جرائم الاحتلال، وإنتاج كليبات وأناشيد تحفيزية للمقاومة.
التصدي للإعلام المطبّع والخائن من خلال تخصيص مساحات واسعة لفضح الأنظمة المطبعة، وتحليل خيانة بعض القنوات العربية الكبرى التي تصف المقاومة بـ”الإرهاب”، وكشف الدور الإعلامي للأنظمة الخليجية في تلميع “العدو الإسرائيلي” والترويج للتطبيع.
لقد نجح إعلام ثورة 21 سبتمبر في أن يكون سلاحًا نوعيًا في معركة الأمة الإعلامية ضد العدو الصهيوني وأدواته، ولم يكتفِ بالدور التقليدي في نقل الأخبار، بل تبنى موقفًا تعبويًا، توعويًا، تحريضيًا، يُرسّخ أن اليمن المقاوم حاضر، صوتًا وسلاحًا، إلى جانب فلسطين ومقاومتها.
هذا الخطاب كان ولا يزال جزءًا لا يتجزأ من معركة التحرر، ومكوّنًا أصيلًا في هوية الثورة اليمنية كامتداد واعٍ لمحور المقاومة في المنطقة.
الخطاب الديني والثقافي ودوره في ترسيخ الموقف الثوري تجاه فلسطين وغزة
الخطاب الديني والثقافي للثورة اليمنية المباركة 21 سبتمبر لعب دورًا محوريًا في ترسيخ الوعي الجمعي اليمني تجاه القضية الفلسطينية كقضية مركزية للأمة، وقضية دينية وأخلاقية تتجاوز البعد السياسي أو الإنساني المؤقت، وقد تميز هذا الخطاب بالثبات والاستمرارية، والوضوح في تشخيص العدو المركزي للأمة، ممثلًا في الكيان الصهيوني وأعوانه من الأنظمة العميلة في المنطقة.
العقيدة كمرتكز للموقف من فلسطين، العداء للكيان الصهيوني موقف إيماني في الخطاب الديني المرتبط بالثورة، يتم تأصيل العداء للكيان الصهيوني انطلاقًا من القرآن الكريم، في قوله تعالى : (لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود… [المائدة: 82] كانت منطلقًا رئيسيًا في الطرح الديني.
كما أن القضية الفلسطينية ليست فقط قضية عربية، بل قضية إسلامية كبرى، والصلاة في المسجد الأقصى، وتحريره، من صلب عقيدة المسلمين، البراءة من أعداء الله كمبدأ قرآني، وربط ذلك بالبراءة من الكيان الصهيوني، وممن يتحالف معه أو يطبّع.
في كل خطبة جمعة، يتم تسليط الضوء على الجرائم الصهيونية بحق الشعب الفلسطيني، والتأكيد على واجب النصرة.
شهر رمضان وذكرى يوم القدس العالمي باتا مناسبتين محوريتين في خطاب الثورة الديني لنصرة فلسطين، حيث تُخصص دروس ومحاضرات مكثفة لبيان قدسية القضية ومركزيتها.
السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي، يحفظه الله ، في خطاباته الرمضانية وخطبه الخاصة بيوم القدس، يؤكد على أولوية القضية الفلسطينية ومبدئيتها كقضية أولى للشعب اليمني
المناهج التعليمية والثقافية، بعد الثورة، تم العمل على مراجعة وتحديث المناهج التعليمية في المحافظات الحرة لترسيخ مفاهيم، مركزية القضية الفلسطينية، وخطر الكيان الصهيوني على الأمة، وأهمية دعم المقاومة كخيار وحيد للتحرير، وكذلك إدخال مفردات ثقافية جديدة في المقررات، مثل “المقاومة”، “خطر التطبيع”، “الجهاد في سبيل الله” ضد المحتلين، و”الهوية الإيمانية”، وتكثيف الأنشطة الثقافية والفنية (مسابقات، معارض، مسرحيات) في المدارس والمراكز الصيفية لترسيخ صورة فلسطين كقضية إيمان وثقافة ووعي.
يوم القدس العالمي .. ذروة التفاعل الديني الثقافي، حيث يتم الاحتفاء بـ يوم القدس العالمي سنويًا بصورة مكثفة، من خلال، مسيرات شعبية حاشدة تُرفع فيها أعلام فلسطين، وصور الشهداء الفلسطينيين، وخطابات دينية تؤكد مركزية القدس في عقيدة المسلمين، وفعاليات ثقافية تبرز الترابط بين الثورة اليمنية والثورة الفلسطينية.
كما عززت الثورة مفهوم “الهوية الإيمانية” كحاجز منيع ضد محاولات غسل الأدمغة والتطبيع الإعلامي والثقافي مع العدو الصهيوني، في المقابل، وشن حرب مضادة لأدوات الإعلام المطبّع، وتفنيد خطاباته وفضحها، وتكريس الوعي بعدو الأمة الحقيقي.
لقد لعب الخطاب الديني والثقافي دورًا استراتيجيًا ومحوريًا في ترسيخ موقف الثورة اليمنية من القضية الفلسطينية، ليس فقط كموقف تضامني ظرفي، بل كموقف إيماني ثابت وعقائدي عميق، وقد ساعد هذا الخطاب في تشكيل جيل جديد يحمل فلسطين في قلبه، ويعي أن معركته مع العدو الصهيوني ليست مؤجلة، بل قائمة، وجزء من معركته الداخلية للتحرر من الهيمنة والاستعمار.
خاتمة
لقد جسدت ثورة 21 سبتمبر المباركة التزامها العميق بالقضية الفلسطينية من منطلقات دينية وأخلاقية وقومية، واستمرت في هذا النهج رغم العدوان والحصار، وكان موقفها من غزة، رمز الكرامة والصمود، عنواناً بارزاً لثورية المشروع الذي تقوده، وهي ثورة ليست فقط في الداخل اليمني، بل هي جزء من مشروع تحرري يمتد ليشمل قضايا الأمة الكبرى، وفي مقدمتها تحرير فلسطين، كل فلسطين، من بحرها إلى نهرها.