حرب على الوعي تُموَّل بالملايين .. سرّ خوف العدو من ذكرى الشهيد في اليمن

تقریر/
في مشهد سنوي يتجدد بالعزة والإيمان، يحيي الشعب اليمني ذكرى الشهيد السنوية في مختلف المحافظات اليمنية الحرة، في إطار الالتزام الديني والروحي الكبير الذي يعكس مكانة الشهادة في وجدان الأمة ووعيها الجمعي، هذه المناسبة لم تعد مجرد فعالية رمزية أو طقوس احتفالية تقليدية، بل غدت حدثًا وطنيًا ودينيًا وثقافيًا شاملاً يجسد معاني الوفاء للشهداء الذين قدّموا أرواحهم في سبيل الله والدفاع عن الأرض والكرامة والسيادة.
ومن خلال تنوع فعالياتها ومضامينها الخطابية والثقافية والاجتماعية، تعكس هذه الذكرى مشروعًا وطنيًا متكاملاً لبناء الوعي، وترسيخ قيم الصمود، وتأكيد حق اليمنيين في الاستقلال والحرية.
تتجلّى أهمية هذا التقرير في كونه يقدم قراءة تحليلية للدلالات الدينية والسياسية والاجتماعية التي تنطوي عليها هذه المناسبة، ويسلط الضوء على أسباب الهجوم الذي تشنه قوى العدوان على هذه الذكرى، باعتبارها إحدى أهم أدوات التعبئة المعنوية والدينية التي تمتلكها الجبهة الوطنية في مواجهة الحرب العسكرية والنفسية والإعلامية التي تُشنّ على اليمن منذ سنوات.
ففي الجانب الديني، تستمد الذكرى معناها من مفهوم الشهادة كقيمة إيمانية خالدة، تمجّدها النصوص القرآنية وتربطها بمقام القرب من الله، لتتحول من فقدٍ إلى رسالة حياة وبناء للأمة.
أما في البعد السياسي، فإنها تُجسّد رفض الوصاية الخارجية وتؤكد أن دماء الشهداء هي التي صنعت قرار اليمن السيادي المستقل.
وفي البعد الاجتماعي، تتحول المناسبة إلى فضاء تلاحم إنساني ومجتمعي، يُعبّر عن ثقافة الوفاء والتكافل والتلاحم الشعبي، ويغرس في الأجيال مفاهيم العزة والاعتماد على الذات.
كما يوضح التقرير أن العدو يستهدف هذه الذكرى لأنه يدرك عمق تأثيرها في تحصين المجتمع، وفي قدرتها على إعادة شحن الوعي الجمعي بالإيمان والروح الثورية التي تقوّض كل محاولات الاختراق الثقافي والإعلامي.
إنها معركة بين منطق الوفاء والعقيدة من جهة، ومنطق التشويه والتفريغ المعنوي من جهة أخرى.
من هنا، تأتي أهمية هذا التقرير في توضيح أن إحياء ذكرى الشهيد ليس فعلاً احتفاليًا عابرًا، بل استراتيجية وعي ومقاومة تتجاوز حدود الزمان والمكان، وتمتد لتشكل ركيزة أساسية في معركة التحرر الوطني والإيماني التي يخوضها الشعب اليمني في وجه قوى العدوان والحصار.
الدلالات الدينية .. الشهادة كقيمة إيمانية وامتداد للرسالة
تمثل الشهادة في الوعي اليمني قيمة إيمانية عليا، تُجسّد أقصى مراتب التضحية في سبيل الله والحق.
فالقرآن الكريم يصف الشهيد بأنه حيٌّ عند ربه يُرزق، ما يعني أن حياته لم تنتهِ، بل انتقلت إلى مقام الخلود، وفي موجهات العلماء وأحاديث المفكرين خلال فعاليات الذكرى، يتجدد التأكيد على أن الشهادة ليست موتًا، بل ميلاد جديد للأمة، وأن دماء الشهداء تُنبت الحرية والكرامة.
بهذه الروح، يتحول إحياء الذكرى إلى تربية إيمانية للأمة، تذكّرها بأن طريق التحرر يبدأ من الإيمان، وأن من ضحّى بنفسه من أجل الله والوطن إنما يُعيد بناء الأمة على أسس العدل والكرامة.
البعد السياسي .. الشهداء صُنّاع السيادة والقرار الوطني
سياسيًا، تُعد الذكرى السنوية للشهيد مناسبة لتجديد الوعي بأهمية التضحيات التي صانت اليمن من مشاريع التفكيك والوصاية.
فالدماء التي سُفكت لم تكن عبثًا، بل كانت ثمنًا لاستقلال القرار الوطني وصمود الشعب أمام أعتى التحالفات الإقليمية والدولية.
إنها لحظة تأمل في أن كل إنجاز سياسي وأمني وعسكري تحقّق إنما بُني على تضحيات الشهداء.
من هنا، يصبح الاحتفاء بالذكرى السنوية للشهيد تأكيدًا لنهج المقاومة والثبات، ورسالة سياسية بأن اليمن لن يعود إلى مربع التبعية.
ولذلك، يُدرك العدو أن كل فعالية تُقام باسم الشهيد هي هزيمة جديدة لمشروعه الدعائي والإعلامي، ومحفّز متجدد لإرادة الصمود الشعبي.
البعد الاجتماعي .. الوفاء للشهداء يرسّخ التماسك المجتمعي
في الجانب الاجتماعي، تُحوّل هذه المناسبة قيم التضحية إلى ثقافة يومية في المجتمع.
فمن خلال فعاليات التكريم، والرعاية بأسر الشهداء، ومعارض الصور، والأنشطة الثقافية، تتكرّس حالة من التلاحم بين الدولة والمجتمع، قوامها الوفاء والإخلاص.
هذه الفعاليات تُعيد ترميم النسيج الاجتماعي المتضرر من الحرب، وتغرس في الأطفال والشباب روح الانتماء والاعتزاز بالهوية الوطنية والإيمانية.
إنها مناسبة تعيد التوازن إلى المجتمع، وتؤكد أن دماء الشهداء هي من ترسم طريق البناء والسلام العادل.
لماذا يهاجم العدو هذه الذكرى؟
منذ اللحظة الأولى لاندلاع العدوان على اليمن، أدركت قوى التحالف أن قوة هذا الشعب لا تكمن فقط في سلاحه أو عدده، بل في إيمانه ووعيه وهويته.
ولذلك، وبعد فشلها في تحقيق أهدافها عسكريًا رغم سنوات من القصف والحصار، تحوّلت استراتيجيتها نحو استهداف مصادر القوة المعنوية والفكرية للشعب اليمني، وعلى رأسها ثقافة الشهادة التي تمثل المحرك الأساسي للصمود والمقاومة.
الهجوم على ذكرى الشهيد ليس مجرد موقف إعلامي أو دعائي، بل هو جزء من حرب ممنهجة على الذاكرة والوعي والرمز.
فالعدو يدرك أن كل صورة لشهيد، وكل فعالية تُقام لإحياء ذكراه، تعني استمرار المقاومة وامتداد المعركة إلى وجدان الأجيال الجديدة.
استهداف الرمزية الدينية للشهادة .. في البعد الديني، يحاول العدو تشويه مفهوم الشهادة وربطه بالتطرف أو الموت العبثي، في حين أن الشهادة في الوعي اليمني تستمد معناها من القرآن الكريم وسيرة الأنبياء والمجاهدين في سبيل الله.
هذه الرمزية تمثل تهديدًا مباشرًا لمشروع العدو، لأنها تُنتج جيلًا لا يخاف الموت في سبيل الحق، وجيلًا يؤمن أن العزة والسيادة أغلى من الحياة.
ولذلك، يعمل إعلام العدوان على تحريف المفهوم الديني للشهادة عبر حملات نفسية مكثفة، تصورها كخسارة بدلاً من فوز، وكانتحار بدلاً من تضحية، إنه صراع على المعنى، فكلما فقدت الأمة معناها للشهادة، فقدت بوصلتها نحو الحرية.
استهداف الذاكرة الوطنية والمشترك الجمعي .. العدو يدرك أن إحياء ذكرى الشهيد يوحّد اليمنيين بمختلف انتماءاتهم حول ذاكرة وطنية مشتركة قوامها الوفاء والتضحية، ولهذا، يحاول بكل وسائله تفكيك هذا الرابط العاطفي والفكري، عبر بث الشكوك والانقسامات، وتشويه صورة الشهداء، أو اختزال تضحياتهم في حسابات سياسية ضيقة.
كل فعالية لإحياء الشهداء تذكّر الناس بأن المعركة لم تكن عبثية، وأن دماء أبنائهم لم تذهب سدى، بل صنعت انتصارات وحررت أرضًا وحمت كرامة، هذه الرسالة تُربك العدو وتُفشل خطته القائمة على زرع الإحباط وفقدان الثقة بالقيادة والمشروع الوطني.
الحرب الإعلامية والنفسية على ثقافة الصمود .. من أخطر أدوات العدو في استهداف هذه الذكرى الحرب الإعلامية والنفسية، ففي الوقت الذي يحتفي فيه اليمنيون بشهدائهم كرموز للمجد والإيمان، تُطلق وسائل إعلام العدوان حملات واسعة تسعى لتفريغ هذه المناسبة من مضمونها، وترويج روايات مضادة تصف الفعاليات بأنها توظيف سياسي للموت أو تعبئة أيديولوجية.
لكن في الحقيقة، هذا الخطاب يعكس خوف العدو من قوة التعبئة الروحية التي تولدها المناسبة، إذ يرى فيها مصنعًا لإنتاج الوعي المقاوم الذي لا يمكن هزيمته بالقنابل أو العقوبات.
إنها معركة بين منطق الإيمان والعقيدة من جهة، ومنطق الدعاية والتزييف من جهة أخرى.
سياسيًا، يمثل الشهيد اليمني رمزًا لانتصار الإرادة الوطنية على الإملاءات الخارجية، فكل شهيد سقط في ميادين العزة أسقط معه رهانًا من رهانات العدوان على كسر اليمنيين أو إخضاعهم، ومن هنا، فإن إحياء الذكرى السنوية للشهيد يعني بالنسبة للعدو تذكير العالم بفشله في تحقيق أهدافه، وتأكيدًا على استمرار المشروع التحرري الذي أسقط الوصاية الأجنبية.
لهذا، يتعامل العدو مع هذه المناسبة باعتبارها مناسبة سياسية خطيرة تُعيد تجديد روح المقاومة داخل المجتمع، وتُعيد تعريف العدو الحقيقي في الوعي الشعبي.
فكلما رفع اليمنيون صور شهدائهم، ارتفعت معها هيبة الموقف اليمني، وانكشفت هشاشة دعاوى التحالف التي حاول أن يبرر بها حربه.
الخوف من انتقال الوعي المقاوم إلى الأجيال .. أكثر ما يقلق العدو في هذه المناسبة هو أن الجيل الجديد في اليمن يتربى على ثقافة الشهادة والكرامة، فالمعارض، ومهرجانات التكريم، ومشاهد الوفاء لأسر الشهداء، كلها تزرع في الوجدان الجمعي الإيمان بأن النصر ثمرة الصبر والتضحية، وبينما تسعى الأنظمة العميلة في المنطقة إلى طمس مفهوم الجهاد والكرامة، يواصل اليمنيون تحويل الشهداء إلى منارات وعي وتربية للأجيال القادمة، وهذا ما يجعل العدو يدرك أن معركته الحقيقية ليست فقط في جبهات القتال، بل في المدارس، والمساجد، والإعلام، وفي كل عقل يمني ينشأ على حب الشهداء وتقدير تضحياتهم.
استهداف أدوات التعبئة الدينية والمعنوية .. العدو يهاجم الذكرى لأنه يعلم أنها أقوى أداة تعبئة معنوية ودينية لدى الشعب اليمني، فالفعاليات التي تُقام في هذه المناسبة لا تقتصر على الخطابات، بل تتضمن أنشطة ثقافية وتربوية وإعلامية تُعيد شحن الروح الجماعية بالقيم الإيمانية والوطنية، وهذا ما يجعلها مصدر إزعاج كبير للعدو، لأنها تحافظ على تماسك الجبهة الداخلية وتُبقي الروح الثورية حيّة رغم الحصار والمعاناة الاقتصادية، بعبارة أخرى، العدو يخاف من الذكرى لأنها تمنح اليمنيين ما لا يستطيع هو امتلاكه: الإيمان بعدالة قضيتهم.
الهجوم كاعتراف غير مباشر بالقوة .. في نهاية المطاف، يمكن القول إن كل هجوم يشنّه العدو على ذكرى الشهيد هو اعتراف ضمني بعظمة هذه المناسبة وتأثيرها، فلو كانت الذكرى هامشية أو عديمة القيمة، لما أنفقت قوى العدوان مليارات الدولارات في الحرب الإعلامية لتشويهها، لكن الحقيقة أن هذه الذكرى تمثل نقطة التقاء بين الإيمان والهوية والسياسة، وهي التي تجعل الشعب اليمني يستعصي على الانكسار، العدو يهاجمها لأنه يعجز عن مواجهتها، ولأنها تُجدد روح الثورة والإيمان في وجه طغيانه، إنها معركة بقاء بين ثقافة الحياة بالعزة، وثقافة الموت بالهيمنة.
ولذلك ستبقى هذه الذكرى في نظر اليمنيين راية إلهية لا تنكسر، وسلاحًا روحيًا يردّ به الشعب أعنف الحروب النفسية والإعلامية.
الشهادة مشروع حياة لا ينطفئ
ختامًا، يتضح أن إحياء الذكرى السنوية للشهيد في اليمن يمثل ركيزة أساسية في مشروع الوعي والتحرر، فهو يربط الماضي بالحاضر، ويحوّل الألم إلى عزيمة، والدماء إلى نور يهدي الأجيال.
الشهيد في الوعي اليمني ليس مجرد بطل رحل، بل فكرة متجددة تزرع الإيمان بالحرية والسيادة والكرامة.
ومن هنا، فإن الهجوم على هذه الذكرى ليس إلا دليلًا على نجاحها في إبقاء جذوة المقاومة مشتعلة، وعلى أنها ستظل واحدة من أقوى أدوات التعبئة المعنوية والدينية في معركة الوعي والصمود.
نقلا عن موقع یمانیون




