اغتيال العرف القبلي… الوجه الآخر للاحتلال

بقلم د. نبيل عبدالله القدمي
انتشر يوم أمس على مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو صادم، ظهر فيه أشخاص وهم يُسلّمون من قيل إنه أمين ناصر باحاج لمن قيل إنهم أولياء دم المقتول باسل المرواح البابكري، قبل أن يُقدموا على إعدامه بعد دقائق من استلامه، رغم تكراره التأكيد على براءته.
مشهدٌ مثّل صدمة حقيقية، لا لما يحمله من عنف فقط، بل لأنه خالف بشكل صارخ القانون، وخرج عن كل ما هو متعارف عليه في العرف القبلي اليمني.
العُرف، كما هو معلوم، هو ما تعارف الناس عليه، وهو مُلزم في شرع القبيلة، وعلى مدى تاريخ اليمن، شمالًا وجنوبًا، كانت القبيلة تقوم بدور الدولة في فترات غيابها، تضبط الأمن، وتحفظ الاستقرار، وتمنع الانزلاق إلى الفوضى، حتى في أحلك مراحل “اللا دولة”.
ما نشهده اليوم في مناطق الاحتلال جنوب الوطن ليس حدثًا معزولًا، بل مسارًا خطيرًا، يسعى فيه المحتل إلى دفع المجتمع نحو الانسلاخ من قيمه ومبادئه وأخلاقه، عبر إذكاء الفتن، وإحياء الثارات، وتفكيك منظومة الضبط الاجتماعي التي شكّلت تاريخيًا صمام أمان للمجتمع اليمني.
في العرف القبلي اليمني، لا يجوز قتل القاتل إذا دخل بيت خصمه وشرب فنجان القهوة ثم عرّف بنفسه، إذ يُمنح أمانًا يُعرف بـ“أمان العيش والملح”، ومدته ثلاثة أيام. وإذا أُريد القصاص منه، فلا يكون إلا خارج القبيلة.
كما لا يجوز لأولياء الدم قتل غريمهم إذا كان في الطريق وبرفقته امرأة أو طفل، وإذا حدث ذلك، لزمتهم عيوب قبلية معروفة.
وعندما يتم تسليم القاتل إلى أولياء الدم، فإن ذلك لا يكون إلا بعد اتفاق مسبق بين مشايخ القبائل، وغالبًا ما يكون التسليم تشريفًا وجبرًا للخواطر، وأملًا في العفو، لا تمهيدًا للتصفية.
وقد أكد المشرّع اليمني أن العرف والقانون شراكة لا تناقض.
ولم يُغفل المشرّع اليمني البعد القبلي، بل نظّم العلاقة بين العرف والقانون، واعتبر الشيخ أحد مأموري الضبط القضائي، ومنحه صلاحيات محددة في الحبس والإفراج وفق ضوابط قانونية واضحة، إدراكًا لدور القبيلة في حفظ الأمن والسلم الاجتماعي.
كما اعتبر القانون اليمني حكم الشيخ بمثابة حكم صادر عن محكمة ابتدائية، لا يجوز الطعن فيه إلا أمام محكمة الاستئناف، في تأكيد صريح على مكانة العرف القبلي حين يكون منضبطًا، وعلى دوره كشريك للدولة لا بديلًا عنها.
من يشاهد حالة الفوضى في الجنوب، يشاهد في الجانب الآخر لدى حكومة صنعاء قبائل مع الدولة، لا فوقها ولا ضدها.
لقد أصبحت الصورة اليوم أوضح من عين الشمس في كيفية تعامل حكومة صنعاء مع القبائل، وكيف تتعامل القبائل مع الدولة؛ علاقة تكامل لا تصادم، وسند لا يُستغنى عنه.
فالقبائل تمثل اليوم خط الدفاع الأول عن الأمن والاستقرار، والداعم الحقيقي لمؤسسات الدولة، لا سيما في ظل العدوان والحصار.
وما نشهده يوميًا في عموم المحافظات الواقعة تحت إدارة حكومة صنعاء من خروج عشرات الآلاف من أبناء القبائل في نكف قبلي مسلح، وبصورة منظمة ومنضبطة، ليس استعراضًا عابرًا، بل رسالة واضحة بالالتزام الكامل بالدفاع عن الوطن، والأرض، والعِرض، وتجسيد عملي لوحدة الموقف بين الدولة والمجتمع.
هذه المشاهد تؤكد أن القبائل، حين تُحترم أعرافها ويُحتوى دورها ضمن إطار الدولة، تتحول من إشكالية محتملة إلى قوة وطنية صلبة، وهو ما يتجلى في التفاف القبائل وتسليمها المطلق للسيد المولى عبد الملك بدر الدين الحوثي، حفظه الله، باعتباره رمزًا للثبات والسيادة الوطنية في مواجهة مشاريع التفكيك والاحتلال.
إن ما جرى في شبوة ليس حادثة ثأر عابرة، بل إنذار خطير، يوضح إلى أين يمكن أن يصل المجتمع حين تضيع المروءة،
ويُفكك العرف، وتُغيب الدولة، وتُدار الأمور بالفوضى.
إنها معركة وعي وأخلاق قبل أن تكون معركة أمن،
ومعركة قيم قبل أن تكون معركة سلاح.

